الأرثوذكسي: أو حين استباحت الطبقة السياسية التاريخ خدمة لمآربها


2013-04-02    |   

الأرثوذكسي: أو حين استباحت الطبقة السياسية التاريخ خدمة لمآربها

جاء في أحد الأسباب الموجبة لمشروع القانون الأرثوذكسي الآيل الى اعتماد مبدأ أن كل طائفة تتفرد بانتخاب نوابها "بما أن هذا المبدأ سبق واعتمد في النظام الأساسي لمتصرفية جبل لبنان عام 1864 المادة الثانية منه، حيث كانت كل طائفة تنتخب أعضاءها في مجلس الإدارة الكبير المؤلف من 12 عضوا موزعين بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين (موارنة 2، روم كاثوليك 2، روم أرثوذكس 2، دروز 2، شيعة 2، سنة 2)…" وبكلام آخر، سعى واضعو المشروع الى تعزيز مشروعيته من خلال ادعاء وجود سابقة تتماشى تماما مع أهدافه (مناصفة + انتخاب كل طائفة لأعضائها)؛ وهذا ما سارع مؤيدوه الى تكراره، سواء على الشاشات الصغيرة أو في الصحف، مستشهدين بهذه السابقة للقول بأنها لن تكون المرة الأولى التي يتبنى فيها لبنان مبدأ الهيئات الانتخابية الطائفية مع التأكيد بأن هذا النظام كان ناجحا في عهد المتصرفية بدليل استمرار العمل به خلال أكثر من خمسين عاما. وفي ظل هذا الخطاب، يعجب الباحث حين يكتشف فور بدء التدقيق في النظام الأساسي بأن هذا "السبب الموجب" انما يرشح عن تزوير كبير للوقائع التاريخية التي تم عرضها وتفسيرها على هوى المشرع وحده خدمة لمآربه. ومن أبرز هذه المغالطات، الآتية:
-الأولى، أن نظام متصرفية جبل لبنان عام 1864 نص على أن مجلس الإدارة مكون من 4 موارنة و3 دروز و2 روم أرثوذكس و1 سنة و1 روم كاثوليك و1 شيعة على نحو ينفي تماما مبدأ المناصفة. والواقع أن هذا النظام قد وضع أساسا تلبية للاحتجاجات الرافضة لتكوين المجلس على أساس التساوي بين الطوائف وفق ما ورد في الأسباب الموجبة والتي كان تبناها بروتوكول 1861، ولم يعمل بها الا ثلاث سنوات،  
-أما المغالطة الثانية وهي الأهم، فمفادها أن الاقتراع كان يحصل على درجتين، بحيث كان أهالي كل بلدة ينتخبون مشايخ الصلح الذين يتولون من ثم انتخاب أعضاء مجلس الإدارة، علما أن هؤلاء المشايخ كانوا من طوائف مختلفة.ومثالا على ذلك، نذكر بأن انتخاب الممثل الأرثوذكسي عن قائممقامية الكورة (المصنفة أرثوذكسية) كان يتم من قبل "20 شيخ صلح أرثوذكسي و7 مشايخ صلح سنّة و6 مشايخ صلح موارنة"، مما أعطى السنّة والموارنة في الكورة تأثيرا تمكنت الكنيسة المارونية أحيانا من استخدامه لحسم نتائج انتخاب الممثل الأرثوذكسي فيها[1].
لا شك في أن تزوير التاريخ على هذا الوجه بهدف تسخيره لخدمة مشاريع سياسية آنية ليس عيب مشروع القانون الوحيد، لكنه بالتأكيد أحد أكبر عيوبه.
 *طالبة في الحقوق في جامعة القديس يوسف في بيروت، فريق عمل المفكرة القانونية

نُشر في العدد الثامن من مجلة المفكرة القانونية


[1]حبلص فاروق، التمثيل الشعبي والانتخابات في لبنان – "انتخابات ممثل الكورة في مجلس إدارة المتصرفية"، منشورات الجامعة اللبنانية- بيروت 2005.
انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني