جلسة ثانية في قضية “الشي موريس”: متهمون بغياب ضحاياهم


2017-05-25    |   

جلسة ثانية في قضية “الشي موريس”: متهمون بغياب ضحاياهم

بتاريخ 19/5/2017، عقدت محكمة الجنايات في بعبدا برئاسة القاضي فيصل حيدر جلستها الثانية في واحدة من أشهر قضايا الإتجار بالبشر في لبنان، قضية "الشي موريس". وكانت هذه الجلسة هي الثانية وخصصت للإستجواب، بعد جلسة أخرى، انعقدت في 17 آذار 2017 وتمّ تأجيلها لعدم حضور كافة المتهمين.

وتعود هذه القضية إلى أكثر من عام: فبتاريخ 27/3/2016، قامت مفرزة استقصاء جبل لبنان بالكشف عن شبكة إتجار بالبشر قامت باحتجاز نحو 75 فتاة من الجنسيتين السورية والعراقية في أقبية فندقي "شي موريس" و"سلفير"، وأرغمتهن من خلال الضرب والتعذيب والترهيب على العمل في الدعارة.

مجريات الجلسة

أول ما يلفت النظر عند عتبة قاعة الجلسات، مظهر الطبيب رياض علم المتهم بإجراء عدد من عمليات الإجهاض.كان يقف على مقربة من القاعة، وحوله مجموعة من النساء إحداهن سكرتيرته جيزيل أراكيلو. وكان يتبادل وإياهن أطراف الحديث، بنبرة ملؤها الثقة بالنفس، حتى أنه كان يرتدي نفس البنطال والحذاء الذي ارتداه يوم سيق للتحقيق معه وكأن الزمن توقف يومها. اللافت أيضاً قبل الدخول إلى القاعة، أمران: الأول، أنه على جدول الجلسات تم تسجيل القضية على أنها "دعارة" ، فيما هي قضية " إتجار بالبشر". أما الأمر الثاني، فتمثل بأحد محامي المتهمين الذي كان يتنقل بينهم ويسعى لطمأنتهم بأن القضية منتهية، وألاّ داع للقلق حتى أنه توجه لأحد الشباب المتهمين بالقول  "بدي جوزك وإفرح منك قريباُ".

عند الساعة الحادية عشرة، فُتحت الأبواب أمام الناس. وفور الدخول الى قاعة المحكمة ظهر المتهم عماد الريحاوي  (وهو المسؤول الأول عن إدارة الشبكة) وهو بأبهى حلته، مسرحاً شعره منسقاً هندامه، يستقبل أصدقاءه باسم الثغر وكأن شيئاً لم يحصل، وكأن لا علاقة له بهذه القضية.  تقترب منه عدد من النساء ويتحدثن إليه. ثم يأتي فيما بعد، محاميه هيثم ترشيشي ويتحدث وإياه عن السعي للتقدم بطلب لإخلاء سبيل له قريباً.  واذ يطلب أحد عناصر الدرك من المحامي التوقف عن التحدث اليه، يرجع الريحاوي إلى مقعده ويجلس الى جانب رفيقه إلياس أبو رجيلي، ويخرج علبة السجائر من جيبه فيشعل سيجارة ويبدأ بنفثها متأملاً وجوه الناس وكأنه "نجم" مشهور.

ما يميز قاعة جنايات بعبدا أنها ضيقة بعض الشي الأمر الذي أدى ربما الى تقسيمها الى قسمين. عند المدخل، وضعت مقاعد لعامة الناس، ثم فاصل يشبه القفص المفتوح وضعت فيه  مقاعد مخصصة للمحامين. توالى 11 ملفاً قبل الوصول إلى "الشي موريس". كان يقف محام أو محاميان عند كل ملف. لكن عندما جاء دور قضية  شي موريس، وقف أمام القاضي أكثر من عشرة محامين فيما قام ثلاثة أرباع الجالسين في قسم العامة وتوجهوا للمثول أمام القاضي بصفة متهمين. بالمقابل، سرعان ما تبين غياب مجمل ضحايا الإتجار اللواتي لم يحضر أي منهن.

بدأ القاضي بالمناداة على المتهمين واحداً تلو الآخر، سائلا إياهم بشكل روتيني: "من هو وكيل كل واحد منهم؟" "هل تريدون توكيل محام؟" … الخ. ثم انتقل إلى الجهة المدعية، فنطق بإسم جمعية "كفى"، فبدا وكأن الجمعية هي التي ادّعت على أفراد الشبكة. عندها شرحت المحامية "موهانا اسحق" لهيئة المحكمة أنها لا تحضر بصفتها محامية عن "الجمعية" وانما هي وكيلة خمس أو ست فتيات من الضحايا اللواتي قمن برفع الدعوى والتي تكفلت الجمعية برعاياتهن. على أن محاولات المحامية  اسحق للتوضيح، قمعها صوت عالٍ من المحامي نزيه شلالا، وكيل أحد المتهمين الذي راح يصرخ "العدالة ليست ضغطا إعلاميا متهماً كفى بتجييش الرأي العام عبر الإعلام منوهاً بأنه لا يحق للجمعية الإدعاء في هذه القضية لأن لا صفة معنوية لها بناء على قرار صادر عن  مجلس شورى الدولة فيما يتعلق بالجمعيات. وعلا صوت المحامي شلالا صارخاً:  "الدعوى باطلة" . فصفق له عدد من المتهمين بحركة سوريالية،  قبل أن يفهمه القاضي بأن هناك فتيات قد ادعين وليست الجمعية هي المدعية.

وقبل أن يرفع القاضي فيصل حيدر الجلسة بنحو خمس دقائق، وصل المدعو غياث الضفدع مخفوراً ومقيد المعصمين، إلاّ ان حضوره لم يسمح ببدء الإستجواب لغياب متهمين آخرين تعذّر نقلهما من السجن، فحدد موعد الجلسة المقبلة بتاريخ 7/7/2017.    

وبسؤال المحامية موهانا اسحق عن سبب إخلاء سبيل المتهمين في هذه القضية، أوضحت بأنه "وفقاً للقانون وأصول التوقيف في محكمة الجنايات، يتم إبقاء الشخص موقوفاً ستة أشهر يمكن تجديدها لمرة واحدة،  لكن فيما بعد يتم إخلاء سبيله.  "ولن يطول قبل أن يتم إخلاء سبيل الرؤوس الكبيرة كالريحاوي، إذ إن القانون يستثنى من إخلاء السبيل المتهمين في قضايا الإرهاب، تجارة المخدرات والقتل"، لكن  "لم يستثنِ قضايا الإتجار بالبشر لأنه عند وضع النص لم يكن هناك قانون بذلك".  أما عن سير القضية فأشارت الى أن "غياب أي واحد من المتهمين أو محاميهم سيؤدي إلى تأجيل الجلسة على أن يتم محاكمة من لا يحضر الجلسة غيابياً".

القرار الإتهامي بإيجاز

يذكر أنه بتاريخ 28/11/2016 صدر عن الهيئة الإتهامية في جبل لبنان، الغرفة الثامنة،  برئاسة القاضي إلياس عيد والمستشارين نجاح عيتاني ونادر منصور القرار الاتهامي، الذي تألف من 33 صفحة عجزت عن إيفاء ضحايا هذه الجريمة المهولة حقهم.

وبالنظر إلى ما تضمنه هذا "القرار" فقد كان لافتاً تضمينه وصفا إجتماعيا لظاهرة الإتجار بالبشر  لتي "تكاثرت في الآونة الأخيرة وانتشرت هذه الآفة على خدمة التواصل الإجتماعي مما ترك أثراً سلبياً في نفوس الناس لكون الأفعال المشار إليها مستقبحة بنظر الهيئة الإجتماعية". ولا بد لمن يطلع على مضمون القرار التساؤل فيما إذا كانت عبارة "مستقبحة" تتلاءم مع معاناة نساء شهدن أقسى أنواع التعذيب الجسدي والمعنوي لسنوات طويلة. 27 هو عدد الفتيات اللواتي إدعين على أفراد الشبكة التي باتت في قبضة العدالة باستثناء فواز علي الحسن الذي بحسب الفتيات هو الذي كان يأخذ المال المجموع من ممارسة الدعارة من الريحاوي.

كما من أهم ما تضمنته مجريات التحقيق الإبتدائي مع المتهمين شهادة فاطمة جيرودي، زوجة "غياث الضفدع"، بأن حساب الطبيب رياض العلم الذي تولى عمليات الإجهاض للفتيات قد وصل الى ثمانية آلاف دولار شهرياً.  وقد  أقرّ الأخير بأنه كان يتقاضى مبلغ 200 دولار أميركي عن كل عملية يجريها ويعاونه طبيب البنج جورج أواكيان الذي كان يحصل منه على مبلغ 100 ألف ليرة، فيما تحصل الممرضة جيزيل أراكيلو على مبلغ 50 الف ليرة عن كل عملية والتي اعترفت بـإجراء "العلم" 60 عملية إجهاض. فيما أقر أواكيان بأنه كان يحضر الى عيادة الطبيب العلم "للقيام بعمليات شفط بقايا حبل تم إجهاضه سابقاً بواسطة حبوب cytotec".. وفيما يؤشر هذا الأمر إلى أن هؤلاء الثلاثة شكلوا حلقة أساسية في إستمرار عمل شبكة الإتجار، نجد بأن الإدعاء الموجه إليهم في القرار الظني الصادر عن قاضي التحقيق في جبل لبنان، وفي القرار الإتهامي اقتصر على ارتكاب جناية المادة 543 عقوبات (تطريح إمراة عن قصد دون رضاها) والظن بهم بمقتضى المادة 542 عقوبات (تطريح أو محاولة تطريح إمرأة برضاها).

وبالإضافة إلى الجهاز لطبي المذكور، بلغ مجموع الأشخاص المدعى عليهم لارتباطهم بهذه الشبكة 25 شخصا. وقد تم الإدعاء عليهم بجرم حرمان من الحرية والمشاركة في تطريح النساء وتكوين جمعية أشرار فضلا عن جناية الإتجار بالبشر.

ماذا بعد؟

وعليه، لا تزال المحاكمة في قضية الفتيات في بداياتها، وهي تسير بخطوات بطيئة جداً.  وقريباً، يخرج الريحاوي الى الحرية كما سبقه موريس جعجع وغيره من أفراد الشبكة. فلنراقب…

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني