محاكمات عسكرية في ذاكرة هيئة الانصاف والمصالحة


2018-01-23    |   

محاكمات عسكرية في ذاكرة هيئة الانصاف والمصالحة

باستحضار تاريخ المحاكمات السياسية التي عرفها المغرب خلال سنوات الرصاص، يلاحظ أن المحاكمات العسكرية شكلت في وقت لاحق مادة خصبة لعمل هيئة الإنصاف والمصالحة، ومن أبرزها محاكمة المتورطين في المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين اللتين عرفهما المغرب في سنتي 1971 و1972. وهي محاكمات عرفت عدة خروقات على مستوى احترام ضمانات المحاكمة العادلة، من بينها على سبيل المثال أن الكولونيل محمد الدليمي والذي كان على متن الطائرة الملكية التي تعرضت لإطلاق النار خلال المحاولة الانقلابية الفاشلة، تولى بنفسه النظر في القضية كعضو في الهيئة التي حاكمت المتهمين في هذه القضية، في ضرب لمبدأ الحياد، ولكافة شروط المحاكمة العادلة، والتي تم خرقها في العديد من القضايا التي عرضت أمام المحكمة العسكرية، في مختلف المراحل.

مرحلة ما قبل المحاكمة

سجلت وثائق هيئة الانصاف والمصالحة عدة انتهاكات خلال هذه المرحلة، تمثلت في:

-اختطاف المتهمين من طرف أشخاص مجهولين؛

-عدم إشعار المختطفين بدواعي اعتقالهم؛

-عدم إشعار عائلة المعتقلين باعتقالهم؛

-الاحتجاز في مكان غير معترف به كمعتقل قانوني ودون أن يتوفر على سجلات الاحتجاز بالمواصفات القانونية، ولا يخضع لرقابة القضاء؛

-عدم اشعار النيابة العامة بالاعتقال؛

-تعرض المعتقلين للتعذيب وسوء المعاملة طيلة فترة الحجز ومن صورها: استخدام القيود، تعصيب العينين، الضرب، العنف المتنوع، السب والشتم، التهديد بالقتل، الضغط البدني أثناء الاستجواب، الحرمان من النوم، التعذيب النفسي؛

-الحرمان من الأكل والرعاية الطبية؛

-تغيير تاريخ وساعة الاعتقال؛

-تجاوز مدة الحراسة النظرية؛

-الإكراه على توقيع محضر الاستجواب دون الاطلاع على ما دون فيه.

ظروف المحاكمات العسكرية

تميزت غالبية المحاكمات العسكرية التي توبع فيها مدنيون خلال سنوات الرصاص بما يأتي:

– السرعة، لدرجة أن طلبات الدفاع بالتماس مهلة للإطلاع على الملف أو إعداد دفاع غالبا ما كانت تواجه بالرفض،

– عدم احترام مبدأ علنية الجلسات، حيث كانت قاعة الجلسات بدون جمهور متتبع، ويتم الاكتفاء بالإبقاء على باب القاعة مفتوحا كشرط لتحقيق العلنية، – التطويق الأمني: كانت قاعة الجلسات من الداخل مطوقة برجال الدرك المسلحين وهو ما من شأنه التأثير على الهيئة، والمتهمين والشهود، والدفاع، كما كانت المحكمة من الخارج مطوقة بالقوة العمومية التي تمنع الجمهور من الدخول؛

– التضييق على الدفاع: أشارت العديد من الشهادات التي استمعت اليها هيئة الانصاف المصالحة إلى أن الدفاع لم يكن يتمكن من ولوج المحكمة العسكرية إلا برخصة مسلمة من جهة أمنية. وقد سجلت محاولات لتفتيش حقائب المحامين لكن وضع لها حد بعد احتجاج هيئة المحامين.

نوعية الأحكام الصادرة

تميزت المحاكمات السياسية التي جرت أطوارها أمام المحكمة العسكرية في عموميتها بالقسوة حيث تراوحت العقوبات بين الإعدام والمؤبد والسجن المحدد.

ورغم ذلك، صدرت أحكام قضائية بالبراءة في حق عدد من المعتقلين السياسيين بلغ عددها في بعض المحاكمات نصف عدد المتهمين. وأشارت بعض الشهادات التي جمعتها هيئة الانصاف والمصالحة إلى أن قضاة المحكمة العسكرية كانوا بدورهم يتعرضون للتضييقات. ومثال على ذلك، هيئة أصدرت أحكاما بالبراءة في محاكمة عسكرية تتعلق بقضية مس بسلامة الدولة سنة 1993، أحيل رئيسها القاضي المدني عقب النطق بالحكم على التقاعد. وقد تم نقض الحكم بناء على طعن النيابة العامة (مندوب الحكومة)، وصدر حكم عن نفس المحكمة بهيئة جديدة قضى بإعدام المتهمين.

عدم تنفيذ الأحكام الصادرة بالبراءة

من بين أهم الخروقات التي عرفتها المحاكمات السياسية التي تمت أمام المحكمة العسكرية، عدم تنفيذ الأحكام الصادرة بالبراءة في العديد من الحالات. ففي المحاكمات العسكرية التي جرت بالقنيطرة من أجل المس بأمن الدولة الداخلي، ورغم صدور أحكام بالبراءة في حق أربعين في المائة من المتهمين، إلا أنه لم يتم الإفراج عنهم، وتم نقلهم من باب السجن إلى مكان مجهول تبين لاحقا أنه ثكنة عسكرية بمدينة تمارة، وقضوا عدة شهور، ولم يتم الإفراج على بعضهم إلا بعد 10 سنوات، في حين ظل مصير بعضهم مجهولا.

صنع ملف جنائي جديد لجلّ المبرئين

بعد الإفراج عن المعتقلين الصادرة في حقهم أحكام بالبراءة، تفاجأ العديد منهم بتحريك متابعات جديدة في حقهم من طرف النيابة العامة من أجل نفس الوقائع، ومنهم من أضيفت إليه تهم جديدة.

خلاصات

إن وجود المحكمة العسكرية بصيغتها الأولى في التشريع المغربي واختصاصها في محاكمة العسكريين في الجرائم العسكرية الصرفة تم تبريره بعدة اعتبارات أهمها ضرورة الحفاظ على ثقة المواطنين في مؤسسة الجيش، والحرص على الحفاظ على الأسرار العسكرية. لكن تمديد صلاحياتها لمحاكمة المدنيين ظل يشكل انتهاكا صارخا لمبدأ المساواة أمام القضاء. حالة الاستثناء التي عرفها المغرب والتي أعقبت محاولتين انقلابيتين فاشلتين شكلت فترة بروز لدور المحكمة العسكرية، مما يؤكد أن هذا النوع الاستثنائي من القضاء ينشط خلال فترات الأزمات حيث لا يقام أي اعتبار لاحترام القانون.

اذا كانت انتهاكات شروط المحاكمة العادلة التي عرفتها العديد من المحاكمات السياسية في المغرب للمعارضين لا تختلف بين القضاء العادي والقضاء العسكري، الا أنها أمام المحاكم العسكرية تكون أعمق باعتبارها هيكلا قضائيا خاضعا للسلطة التنفيذية، عمل منذ انشائه على محاكمة السياسيين وتسليط أقسى العقوبات عليهم، كما أن حقوق الدفاع أمامها تتصف بالهشاشة، وأحكامها لا تقبل الطعن.

الانفراج السياسي الذي عرفه المغرب في أواخر التسعينات مع وصول المعارضة إلى الحكم على عهد حكومة التناوب، أدى إلى تراجع الأضواء المسلطة على المحكمة العسكرية، خاصة مع التوجه  لطي صفحات الماضي في إطار تجربة العدالة الانتقالية. إلا أن أحداث أكديم إزيك وصدور دستور جديد عجلت بفتح ملف إصلاح المحكمة العسكرية من جديد، بعدما أصبحت تشكل نشازا داخل التنظيم القضائي المغربي، وهو إصلاح راهن على رفع صفة الاستثناء التي ظلت تخيم على هذه المحكمة وتحويلها إلى قضاء متخصص للنظر في الجرائم العسكرية التي يرتكبها العسكريون ووضع حد لمحاكمة المدنيين أمامها.

نشر في العدد الخاص حول المحاكم العسكرية في دول المنطقة العربية.

النسخة اللبنانية

النسخة التونسية

– في 10 تموز 1971، قامت مجموعتان عسكريتان تابعتان للمدرسة الحربية الملكية بمداهمة قصر الصخيرات الملكي أثناء احتفال الملك بعيد ميلاده، مما أدى إلى مقتل عشرات من المدعوين والضباط وأركان البلاط والمشاهير والشخصيات المحلية والعالمية. وكان الجنرال المدبوح هو من قاد هذا الانقلاب و قتل أثناء الهجوم . وبأمر من المحكمة العسكرية العليا تم تنفيذ حكم الإعدام بحق عشرة ضباط من بينهم أربعة جنرالات.

وبعد فشل انقلاب الصخيرات، قام وزير الدفاع السابق أوفقير بمحاولة انقلابية عن أفراد من سلاح الجو المغربي فبتاريخ 16 أغسطس 1972، اعترضت ست طائرات حربية مغربية الطائرة التي كانت تقل الملك من برشلونة الى الرباط، بعد دخولها للأجواء المغربية، وأطلقت عليها النيران الا أنها نجت بأعجوبة. وقد أحيل المشتبه في تورطهم في الانقلاب ممن بقوا على قيد الحياة الى المحكمة العسكرية التي أصدرت أحكاما تتراوح بين الاعدام والسجن 20 عاما، وقد اعتقل العديد منهم داخل معتقل تازمامارت الشهير.

أنظر لمزيد من التفاصيل:

-السياق التاريخي للانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان بالمغرب، منشورات المجلس الاستشاري لحقوق الانسان وهيئة الانصاف والمصالحة، طبعة 2005، ص 32.

-عبد الله الولادي: النظام القضائي والخصاص في مجال حماية الأفراد والجماعات من العنف غير المشروع، مداخلة ضمن أشغال ندوة “عنف الدولة”، المنظمة من طرف هيئة الانصاف والمصالحة بمراكش يومي 11و12/06/2004، منشورات المجلس الاستشاري لحقوق الانسان، سلسلة دراسات وندوات هيئة الانصاف والمصالحة، ص 103.

-شهادة المعتقل السابق محمد كرم، منشورة في كتاب ذاكرة الاعتقال السياسي، منشورات المجلس الوطني لحقوق الانسان، ص 52.

-خليل الادريسي: الانتهاكات والخروقات المتعلقة بفترة التسعينات، نموذج المحاكمة العسكرية لمجموعة الرباط 1994، مقالة نشرت في كتاب المتابعات والمحاكمات ذات الصبغة السياسية من 1956 الى 1999، منشورات المجلس الوطني لحقوق الانسان، ص 78.

-القضاء بالمغرب تحدي خطير لدعم دولة الحق والقانون، ص 21.

-عبد الرحمان بن عمرو: المحاكمات العسكرية بالقنيطرة لسنة 1973 من أجل المس بأمن الدولة الداخلي، قضية عمر دهكون ومن معه، مقالة نشرت في كتاب المتابعات والمحاكمات ذات الصبغة السياسية من 1956 الى 1999، منشورات المجلس الوطني لحقوق الانسان، ص 59.

– إن إصلاح المحكمة العسكرية كان موضوعا حاضرا بقوة وبصفة مستمرة في أجندة المنظمات الحكومية المهتمة بالمجال القضائي، ففي سنة 2010 اقترحت عشر جمعيات في مذكرة لها تتعلق باصلاح القضاء اصلاحا يتعلق بمجالات اختصاص المحكمة العسكرية وتأليفها والمسطرة المتبعة امامها، وفي دراسة لمركز دراسات حقوق الانسان والديمقراطية ومؤسسة المستقبل حملت عنوان : التشريع المغربي في مجال الحكامة الأمنية، 5فبراير 2010، طرحت تساؤلات مهمة بخصوص اختصاص وتنظيم المحكمة العسكرية ومدى احترامها لشروط وضمانات المحاكمة العادلة، وفي دراسة مقارنة أنجزتها شبكة دولية من المنظمات غير الحكومية حول اصلاح السلطات القضائية في بداية الربيع العربي اقترحت اصلاحا للتنظيم القضائي في عدد من البلدان ومن بينها المغرب وأوصت بعدم عرض المدنيين أمام المحاكم العسكرية. كما أن جمعيات هيئات المحامين نظمت سنة 1987 ندوة وطنية حول حقوق الانسان تناولت ضمن محاورها الوضع القانوني المقلق للمحكمة العسكرية.

كما يندرج هذا الإصلاح ضمن توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ذات الصلة، وبالأخص التوصية الأولى المتعلقة بتعزيز احترام حقوق الانسان وتحسين الحكامة الأمنية، وكذا التوصية الحادية عشر المتعلقة بالنهوض بالحكامة الأمنية الجيدة.

-مذكرة لمجلس الوطني لحقوق الانسان حول قانون القضاء العسكري رقم 1.11.19.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، محاكمة عادلة وتعذيب ، مجلة لبنان ، مقالات ، عدالة انتقالية ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني