“المفكرة” تحاور النائبة التونسية يمينة الزغلامي: الدعوة للاجتهاد حفاظا على المجتمع وأبنائه


2018-02-22    |   

“المفكرة” تحاور النائبة التونسية يمينة الزغلامي: الدعوة للاجتهاد حفاظا على المجتمع وأبنائه

تبنَّت شخصيات عدة من حركة النهضة التونسية، وعلى رأسهم رئيس الحركة الإسلامية راشد الغنوشي، خطابا متقدما فيما يخص الحريات الفردية. نذكر منها رفض “الغنوشي” لتجريم المثلية الجنسية المعلن عنه في 2015 في كتيب مطول حول “موضوع الإسلام” للصحفي الفرنسي “أوليفي رافنيلو”. تكرر هذا الموقف من السيد لطفي زيتون، أحد أهم أعضاء مجلس شورى النهضة، في تصريح لصحيفة “Le Point” الفرنسية بعددها الصادر بتاريخ 24-02-2017، حيث أكد رفضه تجريم المثلية الجنسية واستهلاك مخدر الزطلة “الحشيش”. ولكن نجد أنَّ هذه التصريحات لطالما تعطى لصحف غربية. ذلك يعود لعدة أسباب منها تجنب مجابهة الخطاب المحافظ السائد محلياً. اليوم، تخص النائبة في مجلس نواب الشعب، المنتمية لحركة النهضة الاسلامية، يمينة الزغلامي المفكرة القانونية برأيها فيما يخص المثليين وحقوقهم. يعد هذا التصريح الأول من نوعه محلياً، بل وعربياً.  ليمينة الزغلامي مسيرة سياسية عامرة بالعمل الحقوقي. فبعد ترؤسها لجنة شهداء وجرحى الثورة، اليوم هي نائبة فاعلة في البرلمان التونسي. ساهمت في وضع أسس مسار العدالة الانتقالية وشاركت مؤخراً في إقرار قانون تجريم العنف ضد المرأة. السيدة يمينة الزغلامي تجيب عن بعض الأسئلة التى طرحتها المفكرة عن العمل التشريعي في تونس ومسار العدالة الانتقالية، بالإضافة إلى عدة أسئلة حول الحريات الفردية.

 

المفكرة: تقييمكم للعمل التشريعي لعام 2017؟

الزغلامي: أعتقد أننا نجحنا خلال  الدورة النيابية لسنة 2016 -2017 في سن قوانين هامة تطور النسيج التشريعي الحقوقي التونسي بشكل ملحوظ. وأذكر من هذه التشريعات خصوصا القانون الأساسي الذي يتعلق “بمنع الاتجار بالأشخاص ومكافحته” والقانون الأساسي الذي يتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة. ما يهمني لفت الانتباه له أن هذا النجاح لا يجب أن يحجب عنا صعوبة تنزيل التطور الحقوقي التشريعي على أرض الواقع. يحتاج تحول الثورة التشريعية لواقع معيوش وهو أمر لم يتحقق بعد. إذا لم تتلاءم بعد السلطات المكلفة بإنفاذ القوانين، وهي خصوصاً القضاء والأمن، ثقافةً وممارسةً مع القيم الحقوقية. وأذكر هنا الحاجة لإصلاح هذه المؤسسات، وهو فعل انطلق مع إرساء المجلس الأعلى للقضاء، وأهمية فرض رقابة على كل الجهات التى تمنع أي تجاوزات تمس بمنظومة حقوق الإنسان. وهنا، ودوماً في نطاق تقييم أداء المجلس التشريعي لسنة 2017، أقول أن العمل الرقابي للمجلس التشريعي محدود جداً. لا يعود هذا التقصير إلى  ضعف أداء النائب بقدر ما يجد تفسيره في ضعف الإمكانيات المتاحة لهذا العمل.

المفكرة: فيما يعلّق بالأداء النيابي، كيف تقيّمون ممارسة النواب لدورهم في المبادرة التشريعية؟

الزغلامي: تقدم النواب بعدد هام من مقترحات القوانين. ولكن للأسف هذه المقترحات لم تجد في أغلب الأحيان العناية التى تستحق من قبل المجلس لأسباب تتعلق بضغط العمل التشريعي الذي يعطي أولوية للمبادرات التشريعية الحكومية. أريد أن أذكر هنا أن حركة النهضة، التي أنتمي لكتلتها النيابية، تقدمت بقرابة عشرة مقترحات، منها عدد هام يدعم منظومة حقوق الإنسان ويطور العدالة الاجتماعية.

المفكرة: على خلفية ذكركم لحركة النهضة، يطرح السؤال دوماً حول اشكالية الإسلام السياسي وقيم حقوق الإنسان، حيث تتهمون، كطرف سياسي، بأنكم تعيقون انخراط تونس في المنظومة الكونية لحقوق الإنسان. ما تعليقكم على هذا؟

الزغلامي: تنص اللائحة السياسية وهي إحدى اللوائح الصادرة عن المؤتمر العاشر لحركة النهضة في 2015 على أن “حركة النهضة حزب مدني سقفه الدستور وقوانين البلاد”. نحن بالتالي نتمسك بحاجة التشريعات إلى مراجعة على أساس الدستور والمواثيق الدولية. ومن يتهمنا بغير ذلك، يتناسى أن منتسبي حركة النهضة كانوا ضحايا لأبشع أنواع الاعتداءات والتعذيب والحرمان. لا يعرف قيمة هذا العناء إلا من عاشه. ولأننا عايشنا عناء غياب الحرية، فنحن نعتقد أن سقف الحرية في تونس يجب ألا يكون محدوداً. الإشكال حسب رأيي أن هناك بعض المواضيع التى صنّفت في خانة المحرمات، وهي لم تكن كذلك في الإسلام. وأطرح كمثال على هذا وضع المثليين. طيلة عقود، كان هناك تقاعس في المدارس الإسلامية من ناحية الفتوى والاجتهاد وتطوير الأحكام. هناك مواضيع يجب أن تطوّر في الإسلام لكي يتماشى مع مجريات الحياة، دون المساس بالعقيدة والقواعد الأساسية لها. أنا أؤمن بالاجتهاد في مجالات عدة. يجب علينا الاعتراف أن المثليين موجودون في تونس وكل أنحاء العالم ويجب على الدولة في هذا الإطار أن تحميهم وتحمي حقوقهم لكي لا يُستَغلّوا جنسياً في حين لا يجدون لا عائلة تحمي ولا دولة تحمي ولا قانونا يحمي من أي اعتداء. لدينا في الإسلام فقه الأولويات. والأولوية اليوم هي الحفاظ على المجتمع وأبنائه.

ختاماً، ألفت النظر إلى أن الدول الغربية كانت ملاذا لمناضلي النهضة في عهد الديكتاتورية، وهي نفسها البلدان التي تحمل مشعل الحريات والحقوق عالمياً ونأمل أن تكون حركة النهضة من يحمل هذا اللواء في تونس.

المفكرة: كيف  تقيمين مسار العدالة الانتقالية؟

الزغلامي: أسجل أننا نجحنا  في سن قانون للعدالة الانتقالية مميز فيه خصوصية تونسية مع احترام كامل للمعايير الدولية. ولو كان تعاطي هيئة الحقيقة سليما، لكان نجح المسار. خصوصاً أن البرلمان فيه أكبر كتلة تدافع عن هذا المسار رغم كل الاتهامات. وأسجل هنا أن نجاح الجلسات العلنية تمثل حدثاً فارقاً. فقد مكنت هذه الجلسات المجتمع التونسي، وخصوصاً الجيل الحالي، من معايشة  التجاوزات التي كنا نعانيها في العهود الديكتاتورية السابقة.

المفكرة: نستشف من قولك تقييماً سلبياً في جانب منه لعمل هيئة الحقيقة والكرامة، رغم نجاح الجلسات العلنية؟

الزغلامي: لم يكن  للأسف أداء هذه الهيئة جيداً ويشجّع على الانتقال الديموقراطي السليم. لم تُنجز هذه الهيئة المهام الأساسية الموكلة إليها. في الحقيقة، أنا شخصياً تفاجأت بموقف رئيستها سهام بن سدرين. كيف يمكن أن يخيل لها أنه سيقع تنحيتها من رئاسة هذه الهيئة وأنَّ النهضة هي التى قررت ذلك؟ أنا ذهبت إليها وقدمت لها كل الضمانات. لقد وجهت لها أيضاً رسالة على الهواء مباشرةً في أحد اللقاءات الإذاعية، فحواها أن حركة النهضة تطالب هذه الهيئة ورئيستها بإنجاز مسار العدالة الانتقالية فقط مع التأكيد على أن الحركة تساندها.

في الواقع، الأغلبية النيابية المتمثلة بالنهضة والنداء والحكومة التي انبثقت عنها لم تبخل بالميزانية عن هيئة الحقيقة والكرامة. وتحت يد الهيئة كامل الأرشيف الأمني/ البوليسي اللازم لإتمام عملها. ورغم ذلك، هناك تقاعس كبير من قبلها. أظن أن رئيسة الهيئة “بن سدرين” كانت تمتلك كل الآليات والصفات الشخصية والسيرة النضالية لتقود هذا المسار بنجاح. ولكنها فشلت في إرسال رسائل طمأنة لكل المعنيين بالعدالة الانتقالية، كما ألاحظ أن لجنة التحكيم والمصالحة تعد من المكامن التي تشكو ضعفاً كبيراً في عمل الهيئة خصوصاً في ظل الغموض الذي يكتنف عملها.  

المفكرة: تتهمون الهيئة بالتقصير في العدالة الانتقالية ولكن ماذا عن ملف “قائمة شهداء وجرحى الثورة” والذي تتهمون أنتم بالتقصير فيه؟

الزغلامي: عندما كنت رئيسة هذه اللجنة، عاينت حجم العراقيل الكبرى التي تعطل تقدم هذا الملف من قبل عدة أطراف سياسية وبعض من أطياف المجتمع المدني. لذلك لم نستطع التفاعل كما يجب مع هؤلاء الجرحى وعائلات الشهداء. للأسف لم يأخذ هذا الملف بعدا وطنيا ولم يخرج من التجاذبات السياسية. حركة النهضة كانت هي الأكثر دفاعاً عن هذا الملف. مما أدى إلى توجيه عدة تهم لحركة النهضة. ومن هذه التهم أن المنتسبين إليها هم الأكثر انتفاعاً من الأموال في حال إقرار الملف، بحكم جبر الضرر المادي. أنا الآن عدت للجنة شهداء وجرحى الثورة كمقررة، وسنعاود فتح الملف من جديد ونسأل هيئة الحقيقة والكرامة برئيستها وأعضائها ماذا فعلتم بهذا الملف.

المفكرة: المجتمع المدني التونسي اليوم حمّلت جانبا منه مسؤولية تعطيل ملف الشهداء الجرحى، ما تقييمك عموماً لأدائه؟

الزغلامي: في تونس لدينا مجتمع مدني رقيب. يمارس مهامه الرقابية بشكل فعّال. يساهم المجتمع المدني أيضاً بإيصال المعلومة للسياسيين والسلطة التنفيذية ويحاسب المسؤولين على أي حادثة وقع فيها تجاوز أو تعدّ على أي من الحقوق والحريات. ولكن السلبي هو وجود خطاب مزدوج في المجال الحقوقي التونسي. فمثلاً من يدافع عن حقوق المثليين عليه أيضاً أن يدافع عن المنقبة في حقها في العمل والتعليم. هناك من يبرر حرمان هذه الفئة من الحريات والحقوق قائلاً أن الدولة التونسي اليوم تكافح الارهاب. ولكن بالرغم من وجود العديد من المنقبات المتهمات بقضايا ارهابية، يجب أن تقع محاسبتهم وفقاً للقانون، لا أن يحشر الجميع في نفس السلَة ويبرر انتقاص الحقوق والتمييز. على الحقوقي أن يفصل بين انتمائه الإيديولوجي وعمله الفعلي. البعد الحقوقي يجب أن يغلب الاعتقاد والأفكار. فمساره واضح ويشمل الجميع دون استثناء.

من جهة أخرى، نحن بحاجة لمراجعة قانون الجمعيات والأحزاب أيضاً، في مسألة التمويل.

نشر في العدد 10 من مجلة المفكرة القانونية في تونس

القانون أساسي عدد 61 لسنة 2016 مؤرخ في 3 أوت 2016 يتعلق بمنع الاتجار بالأشخاص ومكافحته

قانون أساسي عدد 58 لسنة 2017 مؤرخ في 11 أوت 2017 يتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، دستور وانتخابات ، مجلة تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني