العقاب على عدم إبلاغ الأهل عن ذويهم في مصر: إهدار جديد لمبادئ القانون الجنائي


2018-04-26    |   

العقاب على عدم إبلاغ الأهل عن ذويهم في مصر: إهدار جديد لمبادئ القانون الجنائي

وافق البرلمان المصري بأغلبية الثلثين خلال جلسته العامة بتاريخ 6-3-2018، على مشروع قانون بتعديل المادة (102 أ) من قانون العقوبات القاضي بتشديد العقوبات على كل من يحوز أو يستورد أو يصنع مفرقعات أو مواد متفجرة. بالإضافة إلى ذلك، حذفت اللجنة التشريعية بالبرلمان المصري فقرة كانت تنص على إعفاء (الزوج أو الزوجة أو أصول أو فروع الجاني) من العقوبة متى علموا بجريمة حيازة المتفجرات ولم يبلغوا السلطات؛ وبالتالي أصبح الأهل هم أيضا مرغمين على الإبلاغ عن ذويهم تحت طائلة المسؤولية الجنائية.  ويشار إلى أن المشرع شدد العقوبة المقررة لتصبح الإعدام إذا وقعت لغرض إرهابي.

ويأتي هذا التعديل ضمن مجموعة من التعديلات التي أجرتها الدولة المصرية منذ يونيو 2013 أدت إلى إهدار مبادئ العدالة الجنائية، بزعم مكافحة الإرهاب المنتشر بسيناء. فتم إصدار قانون حماية المنشآت الذي آل إلى زيادة عدد المدنيين المحالين للمحاكمة العسكرية[1]، ثم إصدار قانون مكافحة الإرهاب وقانون الكيانات الإرهابية[2] وتعديل قانون العقوبات ومناقشة تعديل قانون الإجراءات الجنائية الذي يُعد التعديل الأكبر في تاريخ القانون المصري حيث سيؤدي، في حال إقراره، إلى تغيير حقيقي في النظام الجنائي المصري.

 

عقاب أسرة الجاني

برر مصطفى بكري عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب[3] تغليظ عقوبة حائزي ومستوردي ومصنعي المواد المتفجرة، بأنه يشكل آلية مهمة لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تستهدف الدولة المصرية، وأن حذف الفقرة سيضع الأسرة أمام مسؤوليتها لحماية الوطن، موضحًا أن المادة تعاملت مع الأسر المتسترة على حائزي المتفجرات.

وصرح رئيس اللجنة التشريعية بمجلس النواب بهاء أبو شقة[4] أن اللجنة رأت أن هذه التعديلات جاءت متفقة مع النصوص والمبادئ الدستورية ورسالة مفادها ضرورة تضافر جهود مؤسسات الدولة لمحاربة الإرهاب.

لكن واقع الحال يخالف تبريرات نواب البرلمان حيث يمثل تعمد حذف فقرة عدم سريان التعديل على (الزوج أو الزوجة أو أصول أو فروع الجاني) إهدارًا لمبادئ وقواعد قانونية ثابتة بقانون العقوبات. فالتعديل أقر استثناء على الحصانة المقررة لأصول وفروع الجاني في المادتين 144  و145 من قانون العقوبات متى علموا بوقوع جناية أو جنحة أو كان لديهم ما يحملهم على الاعتقاد بوقوعها وأعانوا الجاني على الفرار من وجه القضاء أو بإخفاء أدلة الجريمة أو بتقديم معلومات غير صادقة بخصوص الجريمة.

وبالتالي، فهذا التعديل يُعتبر توسعًا تجريميًا دون الالتزام بالحدود الدستورية والمبادئ القانونية المستقرة. بالإضافة إلى أنه يعني ضمنيًا مطالبة السلطة الحاكمة للأهل بالتخلي عن مشاعرهم تجاه أبنائهم والإبلاغ عنهم، في حالة حيازتهم لمواد متفجرة، وبالتالي تسليمهم للسجن وإلا يكونون هم مُعرضين للسجن. وهو الأمر الخطير والذي يكشف عن محاولة تبني خطاب قوامه أن "مصلحة الدولة وسلامتها" فوق أي مصلحة شخصية حتى ولو كانت المشاعر الأسرية الطبيعية. بل ويذهب إلى أبعد من ذلك باعتبار أن هذه المشاعر اذا تعارضت مع "مصلحة الدولة" تتحول إلى جريمة يستوجب العقاب عليها، وسيتم التعامل معها إعلاميًا على أنها خيانة.

 

إهدار مبدأ شخصية العقوبة

شخصية العقوبة تعني أن العقاب على  الجريمة لا يقع  إلا على من أدين بارتكابها باعتباره مسؤولًا عنها. وهو مبدأ أساسي من مبادئ العدالة الجنائية وضمانة أساسية ضد تعسف السلطة. وهو من الحقوق غير القابلة للتقيد طبقًا للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية[5] ولا يسمح بتقييده حتى في حالات الطوارئ العامة التي تهدد حياة الأمة. وهذا ما أكده الدستور المصري الحالي أسوة بالدساتير السابقة، حيث نص في صدارة المادة 95 على أن «العقوبة شخصية» بما مؤداه أن الشخص لا يزر غير سوء عمله وأن جريرة الجريمة لا يؤاخذ بها إلا جناتها ولا ينال عقابها إلا من اقترفها.

وقد قررت المحكمة الدستورية أنه "لا يتصور أن يكون الجزاء الجنائي منصرفًا إلى تقرير عقوبة تدل بمضمونها أو مداها أو طرائق تنفيذها ـ على منافاتها للقيم التي ارتضتها الأمم المتحضرة والتي تؤكد بمضمونها رقي حسها وتكون علامة على نضجها على طريق تطورها. وفي هذا الإطار لا يجوز أن يكون الجزاء الجنائي بغيضًا أو عاتيًا وهو يكون كذلك إذا كان بربريًا أو تعذيبًا أو قمعيًا أو متصلًا بأفعال لا يجوز تجريمها وكذلك إذا كان مجافيًا ـ بصورة ظاهرة ـ للحدود التي يكون معها متناسبًا مع الأفعال التي أثمها المشرع بما يصادم الوعي أو التقدير الخلقي لأوساط الناس في شأن ما ينبغي أن يكون حقًا وعدلًا على ضوء مختلف الظروف ذات الصلة".[6]

وبذات السياق، وجه عدد من فقهاء القانون انتقادات لهذا التعديل ووصفوه بغير الدستوري. وقال د. فؤاد عبد النبي أستاذ القانون الدستوري بجامعة المنوفية، أن ذلك التعديل فيه شبهة عدم دستورية، لمخالفته الدستور المصري والمواثيق الدولية. ووافقه في الرأي د. ياسر الهضيبي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة عين شمس، حيث قال "أن القانون المصري أخذ بمبدأ شخصنة العقوبة عملاً بمبادئ القرآن؛ وأن تطبيق هذه القواعد القانونية على نص المادة يعطيها شبهة بعدم الدستورية بالنسبة لأفراد الأسرة، مقترحًا أن يعرض هذا النص على المحكمة الدستورية العليا لصدور حكمًا بمدى دستوريته". [7]

بالإضافة إلى ذلك، يهدر هذا التعديل مبدأ افتراض براءة المتهم الذي يمثل أصلا ثابتًا تستند عليه كل الفلسفات القانونية العقابية ويتعلق بالتهمة الجنائية من ناحية إثباتها، وأن العلم بالجريمة يجب أن يكون يقينيًا لا ظنيًا أو افتراضيًا. وافترض التعديل العلم بقرينة ظنية لدى غير الجاني وهو ما يصعب إثباته من جانب النيابة العامة، وبالتالي تنقل عبء نفيه إلى المتهم، ومن ثم تغدو القرينة بالتالي غير مرتكزة على أسس موضوعية ومقحمة لإهدار افتراض البراءة، ومجاوزة لضوابط المحاكمة المنصفة التي كفلها الدستور في صلبه.

 

الغلو في التجريم بغير مبرر

ومن ناحية أخرى انتقدت هدى نصر الله، المحامية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية[8] التعديل لعدم تناسب العقوبة مع الفعل المجرَّم، فتوقيع عقوبة الإعدام لا تتناسب مع جريمة حيازة أو تصنيع المفرقعات رغم إضافة ظرف مشدَّد، هو كونها لأغراض إرهابية. هذه الأغراض التي قد تنفذ أو لا تنفذ، فلا يجوز توقيع عقوبة الإعدام على فعل مرتبط بجرائم مستقبلية قد تقع أو لا تقع.

 

خاتمة

يعتقد الكثير من النافذين والمشرعين بالدولة المصرية أن الصرامة المفرطة في القوانين الجنائية، هي ثمن يجب دفعه في سبيل حماية الأمن القومي والسلامة العامة وأن واقع الحال يفرضها، كما صرح د. علي عبد العال رئيس البرلمان المصري[9]. لكن هذا الطرح ينطوي على منزلق خطير يعاني منه المواطنون حاليًا، لأن الدول التي لا تحترم حقوق الإنسان، كثيرًا ما تميل الي التعسف في استخدام السلطة بلا رقيب تجاه مواطنين بطريقة منهجية، وذلك عن خطأ أو ربما عن قصد، بغية تصفية حسابات سياسية لا علاقة لها بالإرهاب. وهو ما ينطوي على مساس خطير بحريات الناس، وتهديد للأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ومن ثم يجب على المشرعين بالدولة المصرية أن يدركوا أن احترام حقوق الانسان والحريات الأساسية هو عنصر أساسي في أي استراتيجية فعالة لمكافحة الإرهاب.

 

 


[1] – القرار بقانون رقم 136 لسنة 2014 بشأن تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية والصادر من رئيس الجمهورية بتاريخ 27 أكتوبر 2014.

[2] – (قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015)، (القانون رقم 8 لسنة 2015 في شأن تنظيم الكيانات الإرهابية والإرهابيين).

[3] – كتبت سمر سلامة، "مصطفى بكري: تعديل قانون العقوبات تعامل مع الأسر المتسترة على حائز المتفجرات"، جريدة اليوم السابع، بتاريخ 7 مارس 2018.

[4] – كتبت ولاء نعمة الله، "النص الكامل لتعديلات البرلمان على قانون العقوبات بشأن حائزي المتفجرات"، جريدة الوطن، بتاريخ 6 مارس 2018.

[5] – تحدد الفقرة رقم (2) من المادة الرابعة من العهد الحقوق الغير قابلة للتقيد. كما جاء بالتعليق العام رقم 29 للجنة المعنية بحقوق الانسان (الفقرات 13-16) أن هناك عناصر في بعض الحقوق غير مدرجة بالفقرة الثانية من المادة الرابعة والتي لا يمكن تقيدها بأوقات الطوارئ منها المتطلبات الأساسية للمحاكمة العادلة.

[6] – المحكمة الدستورية العليا -الطعن رقم 33 لسنة 16 قضائية -بتاريخ 3/2/1996.  

[7] – كتبت سلوى الزغبي، "قانونيون يفسرون مدى دستورية تعديل مادة حبس أسرة الإرهابي في العقوبات"، جريدة الوطن، بتاريخ 7/3/2018.

[8] – بيان صحفى صادر عن مركز المبادرة للحقوق الشخصية بعنوان " تعديل غير دستوري يُعاقِب على جريمة لم تُرتكَب بعد: على البرلمان عدم التوسع في استخدام عقوبة الإعدام"، بتاريخ 11 مارس 2018.

[9] – تصريح للدكتور على عبد العال رئيس البرلمان المصرى بمعرض تعقيبة على التعديل، نُشر بموقع هيئة الاستعلامات المصرية بتاريخ 6 مارس 2018

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، مقالات ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني