أي شرعية لاحتجاز محمد مرسي؟


2013-07-19    |   

أي شرعية لاحتجاز محمد مرسي؟

الحرية الشخصية حق مقرر لا يجوز الحد منه أو انتقاصه إلا لمصلحة عامة في حدود القوانين واللوائح ودونما تعسف أو انحراف في استعمال السلطة، وقد كفلتها دساتير الدول أجمع وقررت لها من الضمانات ما تسمو به من المآرب الشخصية وتنأى بها عن الهوى وتكفل لمواطني الدول كافة تمتعهم بحقوقهم الفردية وهي لا تتقبل من القيود إلا ما كان يهدف منها لرعاية الصالح العام. إن حق التنقل هو فرع من الحرية الشخصية للفرد ولا يجوز مصادرته، دون علة ولا مناهضته دون مسوغ أو تقييده دون مقتض، ولذلك قررت الدساتير المصرية جميعها أنه لا يجوز فيما عدا حالة التلبس القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة.
إن السبب في كتابة هذا المقال الخبر المنشور بجريدة المصري اليوم تحت عنوان "مصدر قضائي: النيابة لم تحقق مع مرسي في مقر احتجازه حتى الآن".[1] فهذا المقال مخصص للوقوف على طبيعة احتجاز رئيس الجمهورية بعد عزله من منصبه وتعيين رئيس مؤقت لإدارة شؤون البلاد في 4 يوليو من العام الجاري، كما أود أن أنوه أن تحرير هذا المقال لا يحصل من منظور سياسي، وإنما من منظور حقوقي بحت.
لم يضع القانون المصري مفهوماً محدداً للاحتجاز، وقد بذل الفقه المصري محاولات جادة لتحديد المقصود به، والتي توصلت في النهاية بأنه احتجاز مؤقت للمشتبه فيه رغماً عن إرادته لمدة تتراوح بين عدة ساعات، وعدة أيام –حسب التشريعات ووفقاً للشكليات المقررة قانونا– تحت رقابة القضاء، لأجل ضرورات التحقيق، أو بسبب وجود دلائل قوية على الاتهام من أجل سير التحقيق".[2] وهذا المفهوم يقارب ما قررته وثيقة المبادئ المتعلقة بحماية الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن،[3] والتي حددته بأنه "حرمان الشخص من الحرية الشخصية ما لم يكن ذلك لإدانته في جريمة".
وبالتالي فإن إجراء الاحتجاز مشمول ببعض الضمانات الدستورية، وفي مقدمتها الضمان القضائي الذي يفرض على رجال السلطة العامة ألا يقوموا بمثل هذا الإجراء في مواجهة المواطنين إلا بناء على أمر يصدر من القاضي أو النيابة العامة. هذا بالإضافة إلى أن المشروعية الدستورية تفترض في هذا الإجراء وغيره من الإجراءات المقيدة للحرية الشخصية للمواطنين أن يكون هناك تناسب بين القيد والمصلحة العامة التي تتمثل في تحقيق مصلحة المجتمع وصيانة أمن المجتمع.
كما أنه –أي الاحتجاز– يفترض أيضاً أن يكون إجراء متصلا بجريمة محددة، والتي بينها القانون على سبيل الحصر، والتي تشتمل على الاتهام بارتكاب جناية، أو جنحة السرقة أو نصب أو تعد شديد أو مقاومة رجال السلطة العامة بالقوة والعنف أو جريمة من جرائم الإرهاب، كما أنه يفترض أيضاً حال توافر دلائل جدية على اتهام الشخص بارتكاب جريمة من الجرائم السابقة أن يتخذ مأمور الضبط القضائي الإجراءات التحفظية المناسبة، وأن يطلب من النيابة العامة خلال أربع وعشرين ساعة على الأكثر أن تأذن له في القبض على المتهم، وللنيابة العامة في هذه الحالة أن تأذن له بالقبض على المتهم.
ويتضح من ذلك أن جوهر التحفظ هو تقييد حرية المتهم وحرمانه من الغدو والرواح كيفما يشاء، مما يجعله يتفق من حيث الجوهر مع القبض، وذلك يدفعنا للقول بأن الفارق بينهما فارق لفظي فحسب، بحيث أن القبض على الإنسان إنما يعني تقييد حريته والتعرض له بإمساكه وحجزه ولو لفترة زمنية قصيرة لاتخاذ بعض الإجراءات ضده.
وقد يخرج البعض، مؤيداً لهذا الاحتجاز بحجة أن هذا الإجراء في أساسه من أجل سلامة محمد مرسي وعدم تعرضه لأذى. لكن هذا مردود عليه في أن هذا الإجراء مرهون بموافقة صريحة منه على ذلك، أو كان من الجائز توفير الحماية اللازمة له في أي من الأماكن التي يرغب في التواجد فيها مثلما حدث مع الرئيس السابق محمد حسني مبارك والذي تقرر آنذاك ابقاؤه بمدينة شرم الشيخ لتأمينه.
وقد يخرج علينا البعض الأخر، مقرراً أن الرئيس مرسي، تقدمت ضده بلاغات عدة فترة تواجده في الحكم وبعدها -وهذه حقيقة لا يمكن إغفالها- مما يبيح اتخاذ هذا الإجراء في مواجهته، فهذا مردود عليه أيضاً بأنه يتعين على القائم بمثل هذا الإجراء عرض مرسي على النيابة العامة لاتخاذ شئونها في كافة البلاغات المقدمة ضده، ولها أن تقرر جدية هذه الاتهامات من عدمه، ولها أن تصدر أمراً بحبسه احتياطياً أو أن تقرر إخلاء سبيله وفقاً للقانون مثلما حدث مع د/ سعد الكتاتني – رئيس مجلس الشعب السابق ورئيس حزب الحرية والعدالة –وغيره من قيادات الحزب- والذي مازال قيد الحبس الاحتياطي.
وترتيبا على ذلك، فإن ما حدث يعد انتهاكا للحرية الشخصية لمحمد مرسي وما يتفرع منها من حريات، والتي قرر الإعلان الدستوري أن كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي تكفلها المبادئ الدستورية والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتكفل الدولة تعويضا عادلا لمن وقع عليه الاعتداء.[4]
وهذا ما قررته الفقرة (5) المادة (9) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية من أن "لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني حق في الحصول على تعويض"، وهذا الحكم ينطبق على كافة حالات الاحتجاز أو الاعتقال بصورة غير شرعية أو تعسفية.  
وبالتالي فإنه يتعين مساءلة من تسبب في هذا الانتهاك بتهمة الاحتجاز بدون وجه حق، والتي يقرر لها القانون عقوبة الحبس أو الغرامة التي لا تتجاوز مائتي جنيه.[5] فهذه الجريمة تفترض أن يكون يُتخذ إجراء ماس بحرية المواطن سواء تمثل في قبض أو حبس أو حجز بدون أمر أحد الحكام المختصين بذلك -القضاة، والنيابة العامة-، في غير الأحوال التي تصرح فيها القوانين واللوائح بالقبض على الأشخاص مع علمه بعدم صدور هذا الأمر. 
وفي النهاية،قد يكون إجراء احتجاز محمد مرسي بمثابة قرار إداري يجوز الطعن فيه وابطاله، حيث أن أوامر القبض على الأشخاص أو تفتيشهم أو حبسهم أو منعهم من التنقل أو السفر أو تقييد حريتهم بأي قيد دون ذلك إذا بوشرت لضرورة التحقيق -تعتبر من الإجراءات الجنائية التي تمس الحرية الشخصية-التي لا يجوز تنظيمها إلا بقانون وليس بقرار إداري مهما كانت مرتبته. ولا يكتسب قرار تقييد الحرية صفة الإجراء الجنائي إذا استند إلى قرار صادر من أي شخص أو جهة، لأنه ينحدر في هذه الحالة إلى مرتبة الأعمال الإدارية، ولا يتمتع بصفة العمل القضائي كانت صفة من أصدره، إذا لم يكن هذا العمل يستند إلى قانون ينظمه ويسمح به، باعتبار أن السلطة التشريعية تنفرد وحدها بتنظيم كل ما يتعلق بالحقوق والحريات العامة.[6]



[2] د. أجمد عبد الحميد الدسوقي – الحماية الموضوعية والإجرائية لحقوق الإنسان في مرحلة ما قبل المحاكمة – دار النهضة العربية 2007.
[3] اعتمدت ونشرت على الملأ بموجب قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة المؤرخ في 9 كانون الأول/ ديسمبر 1988.
[4] المادة 12 من الإعلان الدستوري الصادر في يوليو 2013.
[5] المادة 280 من قانون العقوبات.
[6] د. أحمد فتحي سرور – القانون الجنائي الدستوري – دار الشروق – 2007.
انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، مقالات ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني