وزير الصحة يعالج سوء إدارة مشفى الفنار بإقفاله؟ 200 مريض يواجهون اللاعلاج بعد المعاملة اللاإنسانية


2019-02-18    |   

وزير الصحة يعالج سوء إدارة مشفى الفنار بإقفاله؟ 200 مريض يواجهون اللاعلاج بعد المعاملة اللاإنسانية

أعلن وزير الصحة جميل جبق أمس الأحد 17 شباط 2019 عن نيته بإقفال مشفى الفنار للأمراض العصبية والذي نشرت “المفكرة” تحقيقا مفصلا عن عذابات نحو مائتي مريض ومريضة من نزلائه على مدى أشهر طويلة من إدارة الظهر الرسمية. في الاتجاه نفسه، أكد المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم فتح تحقيق بملف المشفى اليوم الإثنين في 18 شباط 2019. المفكرة تتابع قضية المرضى والمشفى على وقع التلويح الرسمي بإقفاله من جهة، من دون أن يتضح بديل جدي يضمن علاج هؤلاء المرضى الذين يتعين عليهم وعلى ذويهم أن يواجهوا المجهول.

مائتا مريض ومريضة متروكون في مشفى الفنار للأمراض النفسية والعصبية جوعى، يعيشون على وجبة أرز وعدس عند الظهيرة فقط. يسرح القمل والسيبان في رؤوسهم، لم يستحموا منذ شهرين على الأقل لعدم توفر المياه الساخنة وسوائل التنظيف، ولا ينالون جرعاتهم الكافية من الأدوية، فيما يرتجفون برداً في عزّ هذا الشتاء القارس.

مائتا مريض ومريضة ارتكبت جريمة موصوفة بحقهم على مدى أشهر طويلة وربما سنوات من يدري، من قبل السلطات الرسمية المتمثلة بوزارة الصحة بالدرجة الأولى، والتي لم تمارس الرقابة اللازمة على صرح صحي حساس تساهم في تمويل تشغيله، كما امتنعت عن دفع مستحقاتها. ومن قبل إدارة المشفى وأصحابه ثانيا، والذين لم يجدوا من يحاسبهم على الإستهتار بتعذيب المرضى من جهة، وتعريض حياتهم من جهة أخرى للخطر.

وظن المواطنون أن ماساة هؤلاء فرجت بعد زيارة وزير الصحة الجديد جميل جبق إلى مبنى المشفى إثر إثارة واقعه المأساوي على وسائل التواصل الإجتماعي (بوست للمواطنة حياة جابر) ونشر المفكرة تحقيقا عن الموضوع، وبث تقرير متلفز عنه في قناة الجديد. ولكن “الفرج الرسمي” الذي توقعه المواطنون من معاليه اعترض عليه بعض ذوي المرضى القاطنين في مشفى الفنار، إثر إعلان وزير الصحة أنه سيقفل المشفى خلال ثلاثة أيام يتم خالالها نقل نزلاءه إلى مستشفيات أخرى. وقال الوزير جبق بالحرف: “ما رأيته مأساة أخلاقية اجتماعية صحية. هذه ليست مستشفى، وهي غير مؤهلة لتكون كذلك، وكان يجب إقفالها منذ زمن”.

عن أي توزيع للمرضى يتحدث وزير الصحة؟ ما هو عدد المشافي الخاصة بالأمراض النفسية والعصبية والتي يمكن أن تستوعب مائتي مريض ومريضة؟ هؤلاء ليسوا مرضى أنفلونزا أو أي امراض عادية يمكن توزيعهم على مستشفيات عادية رسمية أو خاصة. هم مرضى نفسييون وأعصاب وبعضهم يعانون من امراض ذهنية.

ماذا يفعل ذوو هؤلاء المرضى؟ هل يلحقون بهم في أقاصي البلاد البعيدة؟ وإذا كان لا يوجد سوى مشفى للأمراض النفسية والعصبية في كل الجنوب، فهل يتم إقفاله بسبب مشاكله أم يتم حل هذه المشاكل وضبط المخالفات وتحسين أوضاعه؟ ودفع الوزارة لمستحقات المشفى ورواتب الموظفين المحرومين منها منذ فترة طويلة كما نما للمفكرة؟

يعتبر طبيب مشفى الفنار د. حسن طفيلي “لا يوجد أماكن كافية في المراكز الطبية المتخصصة لهؤلاء المرضى، والأسرّة يلي بالكاد تكفي مرضاهم، وكل هذه المؤسسات مفولة”.

في المقابل، يشكو مصدر من داخل المشفى من الحل الذي طرحه الوزير “بدل النهوض بالمشفى يريدون تسكيرها”، ويتابع “كان لا بد للوزير من التفكير ملياً قبل اتخاذ هذا القرار، كون هذا المشفى هو الوحيد في الجنوب، والمنطقة تحتاج إليه”. رأي أهالي المرضى يتوافق مع موظفي المشفى: “يعني رح يحملوهن بباصات ويأخدوهن، نحن ما عنا قدرة نحطن بمكان آخر، ما معنا ندفع عليهم مصاري كتير بمستشفيات خاصة”. بعض الأهالي اشتكوا من عدم قدرتهم على زيارة مرضاهم في حال نقلهم إلى مناطق بعيدة “المسؤولين ما بيعرفوا بأحوال الناس ولا بفقرنا”، يقول البعض.

بعض الأهالي رفعوا أصواتهم أمام الإعلام، وبعد كلام وزير الصحة، واعترضوا على نقل ذويهم، ليعتبروا أنه كان لا بد من إصلاح المشفى وإعادة إنعاشه، وسداد ديونه ورفده بالطاقات البشرية، وتأمين استمراريته ليستوعب المرضى الذين يحتاجون للعلاج النفسي والعصبي في المنطقة، بدلا من إرسالهم إلى أماكن بعيدة جغرافياً. وعن العامل النفسي في نقل المرضى، يقول الدكتور حسن طفيلي “هم لديهم تعلق نفسي بالفنار، وطبياً، لا يمكن سلخ مريض من مكان إقامته بعد أن قضى أكثر من 20 أو 25 عاما هنا، هذا بيته بالنسبة له، إلى أين سيأخذونه”.

لا نعرف إذا خطرت هذه الأمور في بال وزير الصحة الذي لم يتمكن من استكمال جولته على عنابر المرضى في المشفى بسبب الروائح الكريهة والحال المزرية للمكان، برغم استدعاء عمال النظافة الذين كانوا متوقفين عن العمل بسبب عدم دفع مستحقاتهم، فحضروا لتنظيف المشفى استعداداً لاستقبال جبق.  في مقابل كلام الوزير، علمت المفكرة من مصدر مقرب من المشفى أنه جرى التواصل مع ساندرا اللبان وهي إبنة المسؤولة عن المستشفى سمر اللبان، والتي وعدت بتحسين المبنى والاعتذار عما حدث والرضوخ للمساءلة القانونية والقضائية عند الاقتضاء. وقد أدلت اللبان بأن والدتها هي في صدد المعالجة من مشاكل صحية.

تنظيف مؤقت

صباح الاحد 17 شباط 2019، حضر عمال النظافة إلى”الفنار”، العمال الذي تم توقيفهم سابقا، بحجة تراكم الديون على المشفى، حضروا بشكل مؤقت، للتنظيف لتمهيد دخول وزير الصحة ع “نظافة”.وبحسب أحد الموظفين فإن “المطلوب هو تصويب البوصلة، فلنعتبر أنهم حلوا مشكلة المرضى، فما هو مصيرنا نحن، بيكبونا عالشارع؟”. ويرى أنه من الممكن منح سلف نقدية للموظفين، وضخ دم جديد، فلطالما استقبلت “الفنار” عندما كانت في عافيتها “الفائض”، من دير الصليب وغيره، فالإقفال ليس حلا”.

مساعدات “وهمية”

خلال زيارته، تحدث الوزير جبق عن مساعدات تقدمها الدولة بالإضافة إلى مساعدات تأتي من الدول المانحة، و عن معلومات بأن الإدارة تأخذ مالاً عن كل مريض يدخل الى المستشفى، وعن وقائع تثبت ذلك. ينفي الدكتور النفسي للمشفى ماجد كنج ما يشاع عن مساعدات خارجية: “ليس هناك مساعدات من الدول المانحة”، ليؤكد “أن الإدارة فعلا أخذت مالا عند استقبال كل مريض، وأحيانا كان ذلك ضد الرأي الطبي الخاص بنا”. وهنا يروي أحدهم قصة أحد المرضى، الذي اخرجه “دير الصليب” بعدما طلب من ذويه معالجته في مستشفى يتوافر فيه غسل الكلى.  لكن المسؤولة عن “الفنار” سمر اللبان، استقبلته وقتها مقابل مليون ليرة، وللأسف، ساءت حالة المريض حتى توفي”.

صفقة بيع أراض؟

بين نقل المرضى والإقفال، يبدي عدد من أهالي المروانية خوفهم من أن يكون قرار نقل المرضى والإقفال يصب لمصلحة من يريد استكمال حركة بيع الأراضي في المنطقة، وأن يصل التآمر إلى حد الإقفال و”لو أن هذا المستشفى مدعومة أو تابعة لشخصيات نافذة في السلطة، لما كان القرار الرسمي هو الإقفال.”

يقول رئيس بلدية المروانية محمد كوثراني لل “المفكرة” أن البلدية لم تكن تعلم بحال المشفى المأساوية “فهذا المشفى خاص وليس لدينا صلاحية في مراقبته”. ويضيف “نحن مش حابين نخسر المشفى في المنطقة، وهذا الكلام نقلناه للوزير، وطلبنا من معاليه معالجة الأمور، وتسليمه إلى إدارة جديدة”. ونقل كوثراني عن وزير الصحة أن هذا الإقفال “مش حيصير على زماني، وهو إقفال مؤقت، وسيتحول الملف إلى القضاء، ما يعني أنه سيتم تسجيل ذلك على صحيفة العقار، وبالتالي منع بيعه، ونحن كبلدية نستطيع أن نعرف بأية عملية بيع قد تحصل”.

مقالات ذات صلة:

مرضى جوعى والقمل يسرح في رؤوسهم ولا ينالون أدويتهم: وزارة الصحة والإدارة يذلون نزلاء مشفى الفنار النفسي

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، الحق في الصحة والتعليم



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني