الخطاب الحقوقي، أداة لتطوير قضايا المرأة بعد الحرب


2015-03-25    |   

الخطاب الحقوقي، أداة لتطوير قضايا المرأة بعد الحرب

أجرت الحوار مايا الحلو

غالباً ما نغرق في حاضرنا وننسى الوقوف ولو للحظة لمراجعة أين أصبحنا في رحلة الألف ميل لتكريس المساواة بين الجنسين. فما بين حروبنا اليومية في الشارع والتشريع، يحسن أن نتوقف بين الحين والآخر لنستعرض التاريخ النضالي لأولئك الذين يستمرون في صنع تاريخنا كل يوم. وقد ارتأت المفكرة القانونية أن تتوقف هنا مع الباحثة الناشطة عزة شرارة بيضون [1]عند بعض محطات هذا التاريخ. تذكرنا بيضون في هذه المقابلة بأن اليوم مختلف عن الماضي وأن الحركات النسائية والنسوية التي تستمر بالنضال حققت إنجازات كان لديها تغيير جذري ليس فقط على صعيد القوانين ولكن على أصعدة مختلفة من الخطاب الاجتماعي.

بطاقة تعريف
تعرّف بيضون عن نفسها بالباحثة الناشطة، في تاريخها العديد من الكتابات والمنشورات آخرها “مواطنة لا أنثى”. وهي أستاذة جامعية وتحمل شهادة دكتوراه في علم النفس وهي عضوة مؤسسة في “تجمع الباحثات اللبنانيات” وعضوة في لجنة سيداو- الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية.

بسؤالها عن كيفية انخراطها في الحركة النسائية وبدايات الصراع الحقوقي،تجيب بيضون:
“نساء جيلي دخلن الى العمل النسائي من خلال العمل السياسي والوطني. وكان محور خطابنا آنذاك أن القضية الوطنية لا يمكن أن تتقدم من دون النساء. ولكن وقعت الحرب. فانكفأت الحركة النسائية. وقد جمّد المجلس النسائي اللبناني مثلا نشاطه خوفاً من تسرب بنية الخلاف الطائفية التابعة للحرب الأهلية اليه. وهذا كان مؤشراً على أن ممثلات الحركة النسائية تجنبن الوقوع في فخ الانقسام الطائفي.

وبعد توقف الحرب ومع بدء الإعداد لمؤتمر “بيجينغ” وتداعياته، اكتسبت الحركة النسائية تدريجياً مفردات وأدوات حقوقية جديدة، ولا سيما بعد إقرار لبنان ل”اتفاقية إلغاء جميع أنواع التمييز ضد المرأة”. قبل هذا التاريخ، كانت الحركة النسائية غائبة عن الفعل الاجتماعي وشبه عاجزة عن تطوير خطابها شأنها في ذلك شأن الحركة الاجتماعية في الحرب الأهلية. وبعد إقرار الاتفاقية، عاد الخطاب ليتطور بلغة ومقاربة حقوقية طاغية. لم يكن الأمر مجرد استيراد لأفكار خارجية -ولا إسقاطاً- لقضايا غريبة عن واقعنا، انما وفّر أفقاً للعمل النسوي وزخما  وأدوات تنظيمية سمحت بالمضي قدماً. هذه المقاربة كانت تقريباً المنفذ الوحيد لاعادة التكلم بلغة حقوق المرأة. وبكلام آخر، شكل إقرار الاتفاقية مرجعا صريحا خرق الجمود الذي ساد العمل الاجتماعي النسائي   غداة الحرب.

وقد شكل تأسيس الجمعيات الدعاوية عاملاً أساسيا لتفعيل النقاش حول حقوق المرأة، من خلال التدريبات والنقاشات والتغطية الإعلامية لمواضيع متصلة بهذه الحقوق. وقد أدى هذا الأمر الى خروج الكثير من القضايا من الحيّز الخاص الى الحيّز العام. فموضوع العنف ضد المرأة مثلا ما عاد موضوعاً محصوراً بالشؤون الأسرية، ولا الشخصية، بل أصبح من مفردات الخطاب السياسي والإعلامي والقانوني العام.

وبسؤالها عن أبرز التغيرات التي طرأت على الحركة النسائية، تجيب:
“مع إقرار اتفاقية سيداو، أصبح للحركة النسائية مجال أوسع  للتعبير عن ذاتها بطريقة مقبولة من المجتمع ومن الدولة. أصبح هناك تقبل أكبر للمقاربة الجندرية وإن استمرت مقاومة المقاربة النسوية. فثمة خوف من كلمة نسوية، والتي شاع ربطها بخطاب كره الرجال والمثلية الجنسية. وللأسف، تبنّت بعض الجمعيات النسائية هذا الفهم الذكوري التقليدي للمقاربة النسوية، متماثلة بذلك مع منظمات تقليدية في رفضها.

بعد “بيجينغ” مباشرة، عقد لقاء بين النساء الناشطات اللواتي شاركن في الاعداد له من الوفدين الرسمي والأهلي، بهدف التداول في كيفية استكمال العمل النسائي على ضوء مقرراته. فعبر بعضهن عن وجوب التنبّه لوقع هذه المقررات في الخطاب العام. إذ كان بعض رجال الدين كتبوا عن المؤتمر في الإعلام  ما يشي باختزال مجمل المسائل الحقوقية المطروحة بشق واحد منها، وهو أن النساء يرغبن بالتحرر الجنسي. وأذكر أن إحداهن كررت ما كانت قد كتبته في احدى الصحف اللبنانية بقولها “لا نريد أن نتحرر جنسياً” ووافقت معها بعض المُجتمعات.

وهنا أريد أن أشدد على التغيير الملحوظ الذي بدأ يحدث منذ بضع سنوات حين خرقت النسويات الشابات هذا الخطاب القمعي ليعتمدن خطاب المطالبة بالحقوق الجسدية الجنسية والجنسانية. ويعتبر نجاحهن في ذلك إضافة نوعية على خطاب حقوق المرأة.

يسعدني شخصياً مشاهدة الحركة النسوية الشابة تتبلور في الاتجاهات جميعها، الجنسانية ضمنا. فالدفاع عن الحريات الجنسية في التحركات الجماهيرية كالمظاهرات أصبح أمراً مقبولاً ومرغوباً لدى عدد من الشابات النسويات، ويلتقي معهن في ذلك عدد لا يُستهان به من الرجال الناشطين. ممكن أن يكون هذا بالنسبة اليهن أمراً عادياً ولكنه بالنسبة لنا النسويات من الموجة الثانية تحوّل لا يستهان به. انظري الى التظاهرات النسوية الآن، فيها الكثير من الرجال. هذا أمر جديد علينا. من الواضح أن الأمور تختلف بالمقارنة مع السابق”.

وبسؤالها عن أبرز الإنجازات القانونية، أجابت:
“لا يصح القول إننا نناضل وإننا ما نزال نراوح مكاننا. هناك أهداف صغيرة تتحقق منذ أيام لور مغيزل، فلم تعد النساء مرغمات مثلا على طلب الإذن بالسفر من أزواجهن. أزيلت المادة 562 من قانون العقوبات التي تبرر أو تخفف مسؤولية قاتل قريبته في ما يسمى جرائم الشرف. أزيل العذر المحلّ وخففت المسؤولية في 2001 ثم ألغيت المادة تماماً في 2011. استغرق الأمر أربعين سنة ولكن تحقق الهدف وألغيت المادة. هناك أيضاً بعض الإنجازات في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كتعديل إجازة الامومة وبعض أحكام الضمان الاجتماعي. وطبعاً قانون حماية النساء و”سائر أفراد الأسرة” وهو يشكل تقدماً نوعياً. نخشى بالطبع أن تُأخذ منا هذه الانجازات في أي وقت. إذ إننا حصلنا عليها بعد عناء ونضال طويلين وأعطيت الينا من دون اقتناع. ويجب أن نكون حذرات جداً كل الوقت ونبقى واقفات على أسلحتنا ومستعدات دوماً للنضال. انظري ما حصل بشأن الى الزواج المدني على الأراضي اللبنانية مثلاً. ومثال آخر على ذلك هو مدى تطبيق إلغاء المادة غير القابلة بشهادة المرأة في انجاز عقد تجاري. ليس كل كتّاب العدل قابلين بها، وليس هناك من يحاسبهم. إن هؤلاء الناس حتى لو أعطوك حقاً فهم يبقون مستعدين لاستعادته منك عند أول فرصة.

نعم هناك العديد من القوى الدينية والسياسية الكارهة للمرأة التي تريد ان تسلبنا النجاحات الصغيرة التي حققناها، لكن يبقى أن أمورا إيجابية قد تحققت ينبغي الإضاءة عليها. فمثلاً بعض القضاة الذين يفسرون بنود قانون الحماية من العنف الأسري، ويصدرون أحكامهم وفقها بطريقة ودودة للنساء. بل إن بعض القضاة بدوا في احكامهم الأخيرة متأثّرين بالخطاب النسوي، وذلك دليل على انهم يصغون إلى هذا الخطاب ويتأثرون بالحراك وبالنقاشات الدائرة حوله. وهنا تأتي فكرة العمل مع القضاء إضافة إلى العمل مع المشرّع، وذلك يدعو الى الأمل.
أن النظام اللبناني بكل علله، يوفّر فرصا للحصول على مكتسبات نسوية وبامكان بعض الأشخاص المتميزين اختراق نظامه الأبوي أحياناً، الأمر الذي يسمح بتحصيل مكتسبات للنساء بالتحالف مع هؤلاء. نظامنا السياسي غير الاستبدادي يسمح لكل القوى، سواء المتحجرة منها أو الأكثر انفتاحاً، بالتعبير عن ذاتها؛ وذلك يفتح المجال لمواصلة النضال النسوي”.

وختاماً، وعند سؤالها عن ادعاء اليسار اللبناني بالنسوية وتشجيعها، أجابت:
“هل يوجد يسار في لبنان؟ عمن نتكلم عندما نقول اليسار؟ ؟  لست متأكدة أنه بوسعنا التكلم عن حركة يسارية في لبنان.

نشر في الملحق الخاص بالمرأة – آذار / مارس 2015



[1]تجدون معلومات عن منشورات ونشاطات عزة بيضون في مدونتها الخاصة على هذا الرابط https://azzachararabaydoun.wordpress.com/
انشر المقال

متوفر من خلال:

مساواة ، جندر ، مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، لا مساواة وتمييز وتهميش



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني