التراجع عن معاقبة كاتبة بسبب قصيدة: ماذا تعلمنا من التجربة؟


2016-05-20    |   

التراجع عن معاقبة كاتبة بسبب قصيدة: ماذا تعلمنا من التجربة؟

بتاريخ 18-5-2016، تراجع الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بصفاقس عن قراره بنقل كاتبة إلى محكمة أخرى على خلفية نشرها لقصيدة على صفحة الفايسبوك. وكانت القصيدة انتقدت الأجواء الاحتفالية التي رافقت زيارة وزير العدل للمحكمة. ولم يتمّ التراجع تلقائيا إنما حصل بضغط من الرأي العام الذي كان في جانب منه قضائيا. وقد كشفت نهاية الأزمة أولا عن دور الرأي العام في التصدي للتعسف الاداري وثانيا عن تطور في الوعي القضائي الذي ابتعد عن مواقف التضامن الفئوي لينتصر لقيم القانون. وهذا ما سنحاول تفصيله أدناه.

رقابة الرأي العام تمنع التعسف
دفع اهتمام الرأي العام بالقضية وزير العدل لأن يتبرّأ في ثاني أيام الأزمة من قرار مرؤوسه، فاتصل بالمعنية بالأمر هاتفيا معلماً إياها معارضته لقرار نقلتها وتعهده بتسوية الوضعية. لكن هذا الموقف لم يؤثر في مجريات الأحداث. فقد أصر الوكيل العام على قراره، وعمد إلى تبريره إعلاميا بمصلحة العمل بعدما ادعى استحالة مواصلة المعنية عملها بمركزها السابق. وحاول أن يبرز أنه كان حليما في قراره، فذكر أنه كان بإمكانه أن يؤاخذ كاتبة القصيدة جزائيا من أجل الاساءة للغير عبر شبكات التواصل الاجتماعي. لم يكن الوكيل العام مقنعا في خطابه. في الشق المقابل، نجح المعارضون له في تنبيه الرأي العام لخطورة قرار النقلة على قيم الجمهورية.

لعبت شبكة التواصل الاجتماعي ومن بعدها الاعلام دورا أساسيا في الكشف على خطورة التجاوز الذي صدر عن المسؤول القضائي. وبذلك، شكّل الإعلام سلطة مضادة تصدّت لتعسف ممثّل السلطة القضائية في ممارسته لدور الرئيس الاداريّ. ولم يجد الإعلام في اضطلاعه بدوره معارضة في الوسط القضائي بما أشر على تحولات عميقة يعرفها الجسم القضائي.

القضاة يرفضون التضامن مع رئيسهم : حدث ذو دلالة
لم تسجل مواقف معلنة لهياكل القضاة من الأزمة التي طرأت. وقابل "صمت الهياكل" مجاهرة غير مسبوقة من القضاة كأفراد في تعاليقهم وكتاباتهم على صفحات التواصل الاجتماعي بمواقف ترفض تعسف رئيس جهاز الادعاء العام. وكشفت أول تدوينة لكاتبة المحكمة بعد نهاية الأزمة عن دور القضاء في معارضة القرار. فقد توجهت فيها الكاتبة بالشكر للقضاة وهياكلهم وخصت بالذكر القاضية أنيسة التريشلي، لأهمية دور هؤلاء في انتقاد قرار نقلها في مواجهة قاضٍ سامٍ.

ويظهر قطع القضاة مع ثقافة الموالاة للقاضي السامي وابتعادهم في اتخاذ موقفهم عن منطق التعاضد الفئوي غير المشروط مؤشرا هاما على التحولات التي يشهدها مجتمع القضاة، هذا المجتمع الذي كان حتى وقت قريب محكوماً بهرمية صارمة.
ويعد هذا التطور النوعي أثرا مباشرا لتقلص سلطة كبار القضاة بعد إرساء المبادئ المتعلقة بالحق في الترقية الآلية وعدم نقلة القاضي بدون رضاه.
ويؤكد انتصار القضاة أن ما يروج له خطاب السلطة المناوئ لاستقلالية القضاء بكون الاستقلالية ترادف تغول القضاة وتعسفهم هو شعار يفتقر للموضوعية. فقد أدى تخلص القضاة من الخوف والخضوع لكبار القضاة لتطور وعيهم الحقوقي بما يضمن قدرتهم على الاضطلاع بدورهم الوظيفي في حماية الحقوق والحريات.

 
انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني