ضربة قضائية ضد نظام المحاصصة في اليمن


2014-01-23    |   

ضربة قضائية ضد نظام المحاصصة في اليمن

في تاريخ 16/9/2013، أصدر رئيس الجمهورية الانتقالي في اليمن عبدربه منصور هادي القرار الجمهوري رقم (54) لسنة 2013 الذي قضى بتشكيل هيئة عليا لمكافحة الفساد من أحد عشر عضواً. وكان من اللافت أن هذا القرار أثار في 2013 جدلاً واسعاً بسبب المخالفات الواسعة التي شابته وصولاً إلى رفع دعوى مستعجلة امام المحكمة الادارية في صنعاء خلال ذات الشهر الذي صدر به القرار لإلغائه، وذلك لكونه يأتي (بالمخالفة للدستور ولقانون هيئة مكافحة الفساد) وفق نص الدعوى التي تقدم بها كل محمد سيف مسعود الشرجبي، وعبد الكريم هائل سلام، وعباد محمد قائد العنسي، وحميد محمد علي اللهبي.

وعقب رفع هذه الدعوى القضائية التي استغرق مسار النظر فيها امام المحكمة الادارية أكثر من ثلاثة أشهر كاملة، اصدرت القاضية رغده عبد الرحمن عبد الواحد في 12/1/2014 حكمها الذي قضى بإبطال القرار الجمهوري لمخالفته قانون مكافحة الفساد رقم 39 لعام 2006، علاوة على تغريم المدعى عليه الرئيس هادي مبلغا قدره 200 ألف ريال (مايوازي حوالي 900 دولار امريكي) مقابل «مخاسير التقاضي». كما اشارت حيثيات هذا الحكم (إلى أن قرار رئيس الجمهورية بتشكيل الهيئة صدر من دون مراعاة الاجراءات القانونية المتبعة لتشكيل الهيئة، وبالمخالفة لحكم سبق أن أصدرته المحكمة في مايو الماضي ببطلان إجراءات ترشيح أعضاء هيئة مكافحة الفساد، في مجلس الشورى)[1].

اثار هذا الحكم غير المسبوق اهتماماً واسعاً في اليمن على كافة الأصعدة، وتناولته وسائل الاعلام بشكل موسع، وأثار نقاشات وتداعيات لم تنته حتى الآن. وقد ترافق ذلك مع تقدير نوعي للقاضية رغده التي يمكن وصف قرارها بأحد أهم القرارات القضائية في اليمن ما بعد ثورة التغيير وربما خلال التاريخ الحديث للقضاء اليمني. فقد أرسى في دلالته الأولى سلطة القضاء المُطلقة في مواجهة رئاسة الجمهورية، وهي أهم موقع في الدولة قطعا، والتي كانت غالبا القرارات الصادرة من القائم عليها محصنة ازاء النقاش والنقد، فكيف الحال حين يصل الامر الى نقضها؟
كما يأتي هذا القرار ليشكل ضربة نوعية لصيغة المُحاصصة التي تحكم المسار السياسي في اليمن والتي تتحكم ضمنياً في معظم قرارات التعيينات الصادرة من الرئيس عبدربه وحكومة الوفاق، وهي تتجلى بشكل واضح في الانتماءات السياسية للمعينين في هيئة مكافحة الفساد.

وتجدر الإشارة هنا الى أن أحد المدعين في هذه القضية، هو الدكتور عبد الكريم هائل سلام، كان رفع دعوى قضائية ضد المحاصصة السياسية في الترشيح لوظائف في وزارة التعليم العالي أمام المحكمة الإدارية
. كما أن هذا الحكم يأتي في سياق متزامن مع دعوى رفعها القاضي عبد الوهاب قطران امام الدائرة الادارية في المحكمة العليا ضد قرار جمهوري بترقية بعض أعضاء السلطة القضائية كون هذه الترقيه خضعت لمحاولة السيطرة والمحاصصة القضائية. واجتماع هذه القضايا وتواليها انما يعكس توجها مُتصاعدا لاستخدام القضاء كأداة مهمة في مجابهة سياسة المحاصصة وإعادة الاعتبار لمعايير الكفاءة.

وهذا ما نقرأه في عريضة الادعاء: فحق المدعيين بالاعتراض على قرار رئيس الجمهورية مستمد من كونهم (مواطنين يمنيين يعنيهم في المقام الأول احترام سيادة القانون قبل أن يكونوا اصحاب صفة ومصلحة .. كما إن سيادة القانون ليست ضماناً مطلوباً لتكافؤ الفرص بين الافراد فحسب لكنها الأساس الوحيد لمشروعية السلطة …)[2]. ويفصح هذا النص عن الاساس الموضوعي للاعتراض وفق رأي المدعيين، حيث يهدر هذا القرار الحق المتساوي امام كافة المواطنين لصالح ما يبدو انه "تحاصص" سياسي.

كما تتهم عريضة الدعوى المدعى عليه، وهو هنا رئيس الجمهورية، بإهدار قسمه باحترام القانون وفق ما تقتضيه المادة (110) من الدستور التي تنص على أن (يعمل رئيس الجمهورية على تجسيد ارادة الشعب واحترام الدستور والقانون وحماية الوحدة الوطنية … الخ)، وتحديدا لمخالفته الآليات التي وضعها القانون رقم (39) لسنة 2006 بشان مكافحة الفساد لاختيار اعضاء الهيئة العليا لمكافحة الفساد. ومن أبرز هذه الشروط أن "تتوفر فيهم الخبرة والنزاهة والكفاءة على أن تمثل في الهيئة منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص وقطاع المرأة" وأن يتم ترشيحهم من قبل مجلس الشورى وفق معايير معينة لا مجال للتوسع فيها في هذا المجال.
  
وترى العريضة أن رئيس الجمهورية تجاوز بهذا القرار سلطات السلطة التشريعية (مجلس الشورى)، متعدياً عليها بشكل سافر، وبشكل ألغي حقها في ترشيح أعضاء الهيئة، علاوة على ما اعتراه من غموض بشأن مسار التعيينات الحاصلة بموجبه بحيث أن (القرار لم يبين على اي اساس تم اختيار الاعضاء الذين صدر بهم القرار المطعون فيه)[3]. وقد جعل الامر برمته يفتقر لمعيار الشفافية الذي يُفترض أن يكون حاسماً واساسياً في الاجراءات الخاصة بهيئة مكافحة الفساد، فالامر من ناحيته الرمزية متعلق بمؤسسة ذات وظيفة نوعيه تتعلق بمحاربة الفساد، فإذا شاب اجراءات تشكيل هيئتها اجراء فاسد فهو يضرب دورها ورمزيتها بالعمق. وبذلك فإن اختيار الرئيس لأشخاص (لم يتقدموا بملفاتهم الى مجلس الشورى اطلاقا ومنهم "افراح بادويلان – وحسن زيوار" يدل على عدم اتباعه لاي معيار قانوني في الاختيار للاعضاء المذكورين في القرار المطعون فيه) وفق ماجاء في الدعوى.

طالب المدعون المحكمة بإلغاء القرار الجمهوري الصادر بتعيين أعضاء هيئة مكافحة الفساد. وقد قرنوا هذا الطلب بصفة الاستعجال بشكل أساسي، مبررين ذلك ب(توافر ركني الجدية والاستعجال. فأما عن ركن الجدية فيتحقق في الدعوى لكون القرار المطعون فيه قد جاء مخالفا للدستور والقانون مما يجعله مرجحا إلغاؤه أما عن ركن الاستعجال فمرده إلى أن تنفيذه يرتب أضرارا تنال من حقوق المدعيين المكفولة دستوريا والمتمثلة بتكافؤ الفرص كما تمنع كل من تنطبق عليهم الشروط والمعايير من الترشح لمثل هذه الهيئات وهو حقهم الطبيعي).

تأخر مسار القضية لأكثر من ثلاثة أشهر قبل البت الايجابي فيها، وهو ما يحقق الغرض الاساسي من طلب المدعين. واستجابت المحكمة ممثلة بالقاضية رغدة للحيثيات التي تم ايرادها في الدعوى والتي تجد سندها بشكل اساسي في الدستور والقانون الساري الذي ينظم شؤون هيئة مكافحة الفساد، وذلك على الرغم من تبريرات وزارة الشؤون القانونية التي ترافعت في الدعوى دفاعاً عن القرار الجمهوري. وقد كشفت الوزارة عن نيتها في استئناف الحكم اعتماداً على (أن شرعية المرحلة الانتقالية هي التوافق)[4].ولا يبدو في إطار ذلك ان الوزارة المعنية بالقوانين والتي يتولاها ناشط حقوقي سابق هو الدكتور محمد المخلافي مهتمه بحماية القانون بل بتكريس خرقه، بعدما بات مفهوما "التوافق" و"شرعية المبادرة الخليجية" اللذين يستخدمان لتبرير مخالفات الرئيس والحكومة المتكررة وسواد مزاج المحاصصة في كل التعيينات والقرارات الصادرة مؤخرا، هو النظير المباشر والموضوعي لمعنى إهدار حكم القانون وسيادته.


الصورة منقوبة عن موقع الخبر


[1]المحكمة الإدارية تلغي قرار رئيس الجمهورية بإنشاء هيئة مكافحة الفساد، موقع يمن برس، 13 – 1- 2013، http://yemen-press.com/news26035.html
[2]نص عريضة الدعوى مستعجلة بإلغاء قرار رئيس الجمهورية الصادر بالقرار الجمهوري رقم (54) لسنة 2013م وتاريخ 16/9/2013م الذي قضى بتشكيل هيئة عليا لمكافحة الفساد من احدى عشر عضوا بالمخالفة للدستور ولقانون هيئة مكافحة الفساد. ووقف تنفيذه مؤقتا حتى صدور حكم من قبل المحكمة.
[3]نص عريضة الدعوى مستعجلة…  مصدر سابق
[4]الحكومة تتجه لاستئناف حكم المحكمة الادارية بإلغاء القرار الجمهوري بتشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد من منطلق قانونية ودستورية المبادرة الخليجية، موقع يمنات الاخباري، 14/ 1/ 2014، http://www.yemenat.net/news43958.html
انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، بلدان عربية أخرى



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني