المدافع عن الحرية ممنوع منها: الشطب الإداري ردّا على التعرض لنقابة محامي بيروت


2018-12-01    |   

المدافع عن الحرية ممنوع منها: الشطب الإداري ردّا على التعرض لنقابة محامي بيروت

بشكل مفاجئ جدا، أصدر نقيب محامي بيروت أندره شدياق بتاريخ 13/3/2018  تعميما طلب فيه من هؤلاء التوقف فوراً عن تناول أي موضوع من أي نوع كان متعلّق بشؤون نقابة المحامين على وسائل التواصل الإجتماعي وأي وسيلة إعلامية أخرى، ولا سيما مسألة التأمين الصحي. وقد تم تبرير ذلك بأن النقيب ومجلس النقابة يولون كل الإهتمام والجدية لهذا الملف توصلاً إلى أفضل الشروط. فكأنما الدافع إليه هو تجريد المحامين من أي امكانية لانتقاد علني لما ستتخذه النقابة من اجراءات على هذا الصعيد، لا سيما أن التعميم خلا منطقيا ومبدئيا من أي تبرير مرتبط بتنظيم مهنة المحاماة. فكأنما “نقابة الحريات” تضيق ذرعا بأي انتقاد أو تشكيك قد يوجه إليها في هذا الخصوص. في الاتجاه نفسه، رفض مجلس نقابة المحامين ضمنا الاستجابة إلى مطالب الاطلاع على العقد الخاص بإدارة صندوق الاستشفاء التي قدمتها جهات عدة منها “المفكرة”، وكأنه يعتبر نفسه غير معني بقانون الوصول إلى المعلومات وبالمبادئ التي يقوم عليها أي الشفافية درءا للفساد.

وقد بلغت هذه التدابير السلطوية حدها الأقصى في الأسبوع الأول من تشرين الأول حين سرت شائعة أكدها العديد من النقباء السابقين مفادها توجه مجلس النقابة إلى شطب المحامي ابراهيم مسلم، وهو المحامي الذي برز في نشر الوثائق التي تبيّن اشكالية تعاقد النقابة في هذا المجال، والذي أدى إلى خسارة بلغت ما يقارب وفق التقديرات الأولية، 20 مليون د.أ خلال السنوات السابقة. وقد صبّت انتقاداته ليس فقط على عدم توازن التعاقد، إنما أيضا على مخالفته للنظام العام وعلى الإهمال الحاصل في صون حقوق النقابة في وجه الشركة التي تتولى إدارة صندوق الاستشفاء. ويلحظ أن قرار الشطب هو قرار إداري يتخذ بغالبية أعضاء مجلس النقابة من دون أي محاكمة مسبقة، وقد بات منذ اعتراف محكمة استئناف بيروت (21/5/2015) بشرعيته، سلاحا قاطعا لا يتورع مجلس النقابة عن استخدامه أو على الأقل التلويح باستخدامه كلما استشعر حاجة لذلك، وبخاصة في الحالات التي يتعرض فيها المحامي للنقابة أو للنقيب. تحسبا لهذا القرار المؤذي، عاد مسلم وصرح على صفحته أنه يتراجع عن أقواله.

وقد بدا من خلال ذلك بوضوح أن نقابة المحامين لا تجد حرجا ليس فقط في التعرض لحرية المحامين في انتقادها، إنما أيضا في إنكار حق الدفاع على هؤلاء، وفي اتخاذ عقوبات بحرمانهم من ممارسة مهنتهم من جراء ذلك، انتقاما للتطاول على النقيب وأعضاء مجلس النقابة. إشارات مزعجة لما بات عليه مآل نقابة الحريات في بلد المقامات.

اشكالية لجوء المحامي إلى وسائل الاعلام

يذكر أن المفكرة أثارت في العديد من المرات اشكالية حرية المحامي في اللجوء إلى الإعلام للحديث عن مختلف قضايا الشأن العام، بما فيها قضايا التقاضي الاستراتيجي. وكان سعي النقابة إلى تضييق حرية المحامين في هذا الخصوص قد بلغ أوجه في 2010 وتمثل في التعميم الصادر في 3/3/2010 والاقتراح الصادر عن لجنة الآداب في النقابة بتعديل المادة 39 من النظام الداخلي لنقابة المحامين، بحيث تنص على أن المحامي “يمتنع عن استخدام أي وسيلة من وسائل الاعلام والاتصالات المرئية والمسموعة والمقروءة، كمنبر للكلام أو البحث أو المناقشة في الدعاوى العالقة أمام القضاء، الموكلة إليه أو لسواه من المحامين، ملتزما المرافعة والمدافعة فيها أمام المراجع القضائية ذات الاختصاص فقط”. كما فرض التعميم على المحامين استئذان النقيب مسبقا للمشاركة في أي ظهور اعلامي، فيما فرض اقتراح لجنة الآداب على المحامين إخطار النقيب مسبقا برغبتهم تلك. وقد سجلت المفكرة آنذاك أن المسألة تتجاوز انتهاك حرية الرأي والتعبير المنصوص عليها في الدساتير والاتفاقيات الدولية، لتطال مضامين أخرى ذات أبعاد تنظيمية واجتماعية ومؤسساتية، أبرزها “أن حق المحامي في اللجوء إلى الاعلام للدفاع عن القضايا التي يخوضها أمام المحاكم إنما يشكل جزءا لا يتجزأ من مهمته في الدفاع عن موكليه. فكيف للمحامي أن يجابه توجها عاما، أن يدافع مثلا عن أكثر الفئات تهميشا في مواجهة أكثر الفئات جبروتا، في حال منعه عن الاعلام؟ وألا تبقى في ظل ذلك القضايا المهيمنة على الخطاب العام هي قضايا الكبار والمتنفذين، فيما يزداد التعتيم على قضايا الفئات الأكثر تهميشا والتي تبقى عاجزة عن التحوّل إلى قضايا عامة؟ وألا يؤدي ذلك إلى الحد من التقاضي الاستراتيجي، أي التقاضي الآيل إلى استخدام القضاء كحلبة، كمسرح لعرض القضايا ولمناقشتها، وتاليّا لصناعة الرأي العام وتوجيهه؟

كما نحيل هنا إلى تعليق المفكرة على التعديل الحاصل في 2014 على “نظام آداب مهنة المحاماة ومناقبية المحامين”. وقد أدى التعديل المذكور إلى منع المحامي من استخدام أي وسيلة إعلامية مرئية أو مسموعة أو مكتوبة كمنبر للمناقشة أو الكلام عن الدعاوى والقضايا العالقة أمام القضاء، ليس فقط القضايا الموكلة إليه بل أيضاً القضايا الموكلة إلى غيره من المحامين. ولم يستثن من المنع المقترح إلا القضايا الكبرى التي تهم المجتمع ولكن بعد إعلام النقيب وأخذ موافقته. والاشكال هنا أن التعديل أبقى الإذن المسبق قائما، كما أنه لم يعرف القضايا الكبرى، مما يترك هامشا واسعا للتأويل.

نشر هذا المقال في العدد | 57 |  تشرين الثاني 2018، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:

القمع ليس حيث تنظر: نظام المقامات

انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني