قرار جديد في قضية “رسالة حياة” يؤكد على استقلال القضاء: إعلان طفلين آخرين في حال الخطر


2019-12-26    |   

قرار جديد في قضية “رسالة حياة” يؤكد على استقلال القضاء: إعلان طفلين آخرين في حال الخطر

تواصل قاضية الأحداث في جبل لبنان، جويل أبو حيدر، إصدار القرارت الحمائية للاطفال في قضية  جمعية "رسالة حياة" وآخرها قرار تاريخ  13-12-2019 والذي قضي باعتبار طفلين إضافيين موجودين في الجمعية معرضين للخطر، بالإضافة إلى الإبقاء على الرضيعين المعنيين بالقرار 6-12-2019 (واللذين تم العثور عليهما بعدما اتضح أن الجمعية كانت سلمتهما لعائلات بديلة من دون إعلام قاضية الأحداث) بكنف عائلتيهما البديلتين لحين استكمال ملفهما. كما قضى القرار بتكليف الجمعية تسليم المحكمة إفادات مدرسية رسمية لجميع الأولاد المشمولين في قرار الحماية السابق لتأمين متابعة دراستهم وذلك ضمن مهلة خمسة أيام وتحت طائلة غرامة وقدرها مليون ليرة لبنانية عن كل يوم تأخير.

كما يفيد القرار أن الرئاسة استصدرت قراراً بتاريخ 11-12-2019 يقضي بمنع الجمعية والقيمين عليها "من التواصل أو محاولة التواصل مع المطلوب حمايتهم بشكل مباشر أو غير مباشر، وبأي وسيلة كانت، دون الاستحصال على إذن خطي قضائي بذلك، تحت طائلة تغريم من يخالف القرار غرامة مقدارها خمسة ملايين ليرة لبنانية"، وذلك تبعاً لتعرض القاصرين لضغوطات معنوية حادة وغير مقبولة من قبل الجمعية بحسب تصريحات بعض القاصرين أنفسهم خلال حلقة تلفزيونية بُثت على إحدى القنوات المحلية.

وفي تفاصيل القرار، أن الرئاسة وبعد عرض طفلين عليها مغايرين للأطفال موضوع ملفات الحماية المشمولين بالقرار 6-12-2019، ومحاولة إيهام المندوبتين الاجتماعيتين بذلك، اعتبرت أن هذين الطفلين معرّضان للخطر أيضاً. وعليه، أمرت بتسليمهما فوراً وحالاً للمحكمة ليصار إلى شملهم بملفات حماية تحت طائلة غرامة  تأخير مالية عن كل يوم وقدرها ثلاثة ملايين ليرة لبنانية.

واللافت في هذا القرار تأكيد سمو الصحة النفسية والعاطفية للطفل على جميع الاعتبارات الأخرى بما فيها المخالفات القانونية التي اعترت آلية الإيداع لدى العائلات البديلة من قبل الجمعية دون العودة إلى المحكمة لاستصدار قرارات قضائية بذلك وفق القانون 422/2002 الخاص بحماية الأحداث. فقد قررت الرئاسة الإبقاء على الطفلين موضوع قرار 6-12-2019 مع عائلتيهما الحاليتين بعدما تبين لها أنهما متواجدان معهما منذ حوالي الثلاثة أشهر وهم في عمر يسمح لهم بتعلق عاطفي معين بحيث أن الطفل الاول يبلغ من العمر تسعة أشهر والثاني يبلغ  سنة وشهر، فضلاً عن تعلق الأهل الشديد بالطفلين. فجاء في منطوق القرار حيثية مميزة تؤكد على أن مصلحة الطفل الفضلى فوق كل المصالح  وحمايته من الخطر بمثابة نظام عام يعلو الخروقات الحاصلة لحين تصحيحها وتصويبها وقد جاء فيها: "ونظراً للضمانة الأخلاقية المتوفرة في العائلتين بحسب ما ظهره واقع الحال لدى الاستماع لهما، وبعد استطلاع رأي المندوبة الاجتماعية لهذه الجهة، ترى التمسك وبشدة بالمبدأ السامي الذي يرعى قانون حماية الأحداث في لبنان وهو مصلحة القاصر الفضلى، الذي يعلو عن كل المعطيات والنزاعات والمخالفات القانونية الثابتة في الملف، لتقرر تبعاً لذلك تسليم الطفل.. لعائلة …والطفل.. لعائلة…على أن يعتبر هذا التدبير مؤقتا تمهيداً لاستكمال ملف كل من العائلتين أمام المحكمة الحاضرة، وذلك درءاً من إصابة المطلوب حمايتهما… بأضرار واضطرابات نفسية وخيمة ناتجة عن حرمانهما المفاجئ من دفء العائلة التي ترعرعا لأشهر فيها الأمر الذي يتنافى مع أحكام الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل…". ومن هذه الزاوية، يكون قضاء الأحداث قد أكد مرة أخرى أن مفهوم النمو العاطفي والفكري والاستقرار الداخلي للطفل هو مفهوم لا يجب أن تحدّه آليات قانونية جامدة أو تضارب صلاحيات محاكم أو يعلبه تعنت قضاء روحي/شرعي أو تقيده نزعات تفلت القضاء الديني من بديهيات المبادئ والقوانين المدنية. هو مفهوم معياره الأول والأخير دراسة البيئة الحاضنة للطفل مستندة على بحث علمي إجتماعي جدي.

وفي أسناد القرار وتعليلاته، يتبين أنه وبعد صدور قرار الحماية تاريخ 6-12- 2019 وترك الراهبتين من قبل النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان بتاريخ 7-12-2019،  بقيت الجمعية على تعنتها في تسليم الأطفال متذرعة بوجود مرسوم وصاية من قبل المحكمة الروحية بشأن الطفلين صادر بتاريخ 5-12-2019، ومؤكدة على تواجد الطفلين داخل الدير. إلا أن قاضية الأحداث أصرت على أن صلاحياتها باتخاذ تدابير الحماية لا يؤثر عليها أي قرار وصاية أو تبني في معرض وجود ملف حماية لاختلاف الأساس القانوني لقرارها المسند للخطر، وفي ظل عدم موافقة الرئاسة على أي مقتضى مخالف. وهذا بالفعل ما إستقر عليه اجتهاد الهيئة العامة لمحكمة التمييز منذ العام 2007 في هذا الصدد بحيث اعتبرت الأخيرة أن أي جدل فيما خص تضارب الصلاحيات بين قضاء الأحداث والقضاء الديني، يُبقي الحراسة ومسؤولية حماية القاصر لقاضي الأحداث طالما أن الخطر ما يزال قائما. وعليه، أصدرت قاضية الأحداث قرارا بتاريخ 9-12-2019 يلزم الجمعية بتسليم الطفلين للمحكمة في قصر عدل بعبدا بتاريخ 11-12-2019 تحت طائلة غرامة تأخير عن كل يوم قدرها ثلاثة ملايين ليرة لبنانية. إلا أنه وقبل يوم واحد من الجلسة المزمع انعقادها، تقدمت عائلتان من المحكمة بإخبار وأحاطتاها علماً بأن الطفلين بعهدتهما منذ بضعة أشهر وأن الجمعية  كانت قد وعدتهما باجراءات تبني دون إعلامهما بوجود ملف حماية. وطلبت العائلتان من المحكمة خلال جلسة استماع إحتضان الطفلين وفق القوانين المرعية الاجراء بعدما أجبروا على التخلي عن الطفلين وتسليمهما بشكل مفاجئ ومستعجل وخفي الى الجمعية بتاريخ 7-12-2019 فجراً، أي فور صدور قرار الحماية.

يتبين من الحكم أن حيثيات القرار تؤكد على محاولات الجمعية للتفلت من الأنظمة المرعية الإجراء في كل حين، وهي محاولات تصل إلى حد تضليل القضاء والعدالة من خلال الإدلاء بمعطيات متنافضة ومنقوصة. بل وأكثر من ذلك، فانها تدل على إصرار الجمعية التمادي في التمرد على القضاء والتمنع عن تنفيذ قراراته النافذة واحترام منطوقها، دون أن تجد حرجا في زج العائلات البديلة في تواطؤ غير مرغوب فيه فضلا عن مزيد من التعرض لصحة الأطفال النفسية. فقد صرحت العائلتان أن الجمعية دفعتهما إلى تنظيم رتبة عمادة الطفل للتسريع في اجراءات التبني لدرء إمكانية نزع الطفلين منهما، وتاليا، فرض أمر واقع على المحكمة وتأمين مقتضيات تحرر أوسع من أية رقابة قضائية مدنية مرتقبة.

وفي سياق موازٍ، يبدو من اللافت، تضمين القرار ما يفيد إقراراً منسوبا للجمعية نفسها، من خلال العائلتين، باستقلالية قاضية الأحداث مصدرة القرار، بعكس تصريحات الجمعية وادعاءاتها. فقد صرحت إحدى العائلتين بأنه لدى سؤالهما لأحد القيمين على الجمعية عن الجهة النافذة "للتدخل في ملف الأحداث" تم إجابتها: "الأكبر تدخلوا وما قدروا يعملوا شي". فضلاً عن أنه تم نصحهم بالتوجه لمحكمة الاحداث لحل القضية: "حل القضية عند قاضي الأحداث وبعدين تعا لعندي" وإلا "بتطلع القضية عند البطرك"، فاختارت العائلات التوجه إلى قاضي الأحداث. من هذه الزاوية، تمنحنا قضية "رسالة حياة" درسا بليغا في قضايا ثلاث يرجح أن تسيل الكثير من الحبر مستقبلا: استقلال القضاء والمصلحة العليا للأطفال والعلاقة بين المحاكم المدنية والمحاكم الدينية.

القرار على الروابط ادناه

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، لبنان ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني