دليل “السيادة الغذائية”: مبادرات زراعية في لبنان


2020-03-17    |   

دليل “السيادة الغذائية”: مبادرات زراعية في لبنان

بالرغم من وجود أراضي زراعية شاسعة في لبنان، لا يزال اللبنانيون عاجزون عن تلبية حاجاتهم الغذائية. يعود ذلك إلى التغييرات التي حصلت في الريف خلال القرن الماضي، وتخلّي ما تبقى من مزارعين عن الأصناف التي تنتج للسوق المحلية، بسبب منافسة الأصناف المستوردة وتركيز التّجار الذين يتحكّمون بالأسعار، على ما يمكن تصديره للخارج.

تسلّم الدولة اليوم سياساتها الزراعية لهؤلاء التّجار بالإضافة لأحزاب ومؤسسات دولية عاملة في المناطق، بدون أي تدخل لإصلاح الوضع القائم، ما يطرح تساؤلات حول قدرة هذه الدولة على تأمين الأمن الغذائي لمواطنيها في حال تفاقمت أكثر الأزمة الإقتصادية (والتحدّيات التي يخلقها اليوم انتشار فيروس كورونا).

لاقت المخاوف حول الأمن الغذائي، استجابة من بعض المجموعات التي كانت فاعلة في الإنتفاضة. من بينها "مجموعة العمل الإقتصادي والإجتماعي" (سياق) التي ولدت في طرابلس وتنظّم سلسلة جلسات حول العمل الزراعي في ظل الأزمات الإقتصادية والبيئية، من بينها مؤتمر تحت عنوان "سياق الزراعة في لبنان" تناول قبل أيام تجارب ومبادرات قام بها ناشطون لترويج نماذج عملية لتعزيز السيادة الغذائية على نطاق صغير ومتوسط.

1

من أكثر المشاريع اللافتة في المؤتمر مبادرة لمؤسسة "جفرا" يشارك فيها مجموعة شباب فلسطينيين من مخيم برج البراجنة، تهدف لمساعدة سكان المخيمات الفلسطينية بشكل عام على زراعة أسطحهم الفارغة. تقدم المبادرة نموذجاً عن الزراعة الحضرية المعتمدة على المواد العضوية، في منطقة شديدة الكثافة وخالية كلياً من المساحات الخضراء. لا تزال المبادرة غير قادرة على خلق اكتفاء ذاتي للمخيم لكنها تحرّك العجلة الإقتصادية واستطاعت تطوير استراتيجيات مبتكرة للسكان تمكّنهم من تأمين الطعام في الحالات الطارئة، بالإضافة لخلق أمكنة مريحة نفسياً تعوّض النقص في الحدائق والفضاءات الترفيهية. يقدّر عدد الأسطح التي ساعدها المشروع حتى الآن حوالي مئتي سطح، وتضم لائحة الخدمات، إيجاد حلول بديلة لصناعة الأسمدة، إيجاد طرق للري عبر مياه الأمطار، ونشر ثقافة الزراعة بين الأطفال.

2

أما مبادرة "إزرع" التي بدأتها مجموعة من المهندسين على فيسبوك من أجل تقديم المشورة للمزارعين على اختلافهم، فهي ربما المبادرة الأكثر مرئية في لبنان خلال الأشهر الماضية. السبب هو ولادتها بشكل متزامن مع الأزمة الإقتصادية التي دفعت البعض إلى العمل على تحقيق نوع من الإستقلالية الغذائية. لبّت المجموعة حاجة آنيّة عند كثير من الأشخاص الراغبين في تعلّم الزراعة أو تطوير مهاراتهم الزراعية، وهي تفتح المجال للناس من أجل التشبيك ومساعدة بعضهم البعض. تهدف الصفحة للتحوّل في المستقبل إلى مرجع بالنسبة للمزارعين اللبنانيين، تؤمّن لهم الوصول إلى المعلومات بأقل وقت ممكن وبدون الغرق في بحر المعلومات على الإنترنت، ويساعد في هذه المهمة مجموعة من المتطوّعين بالإضافة إلى المهندسين الزراعيين الذين شاركوا في تأسيس الصفحة. أصبحت "إزرع" منذ تأسيسها فضاءً للتعارف بين المهتمين بالزراعة وقد بلغ عدد المشتركين اليوم حوالي 5 آلاف شخص. قريباً تصدر الصفحة موقعها الخاص الذي يهدف لوصل المنتج بالمستهلك، ما سيساعد بشكل خاص المزارعين الصغار على تصريف إنتاجهم بدون وسيط وبكلفة أقل. أنتجت مؤخراً "إزرع" رزنامتها الزراعية الأولى ويغطّي المتطوعون فيها جميع الأنماط الزراعية والصناعية – الزراعية.

3

كثير من اللبنانيين يرون الزراعة العضوية على أنها غير مجدية من الناحية الإقتصادية وغير قادرة على تحقيق أرباح للمزارعين. لذلك تحاول جمعية "بذورنا جذورنا" تغيير هذه النظرة المغلوطة، من خلال نشر التوعية حول هذا النمط من الزراعة التي تحاول تحقيق استغلال كافة الموارد الزراعية المتاحة أفضل استغلال وتوفير الغذاء على المدى الطويل وبأقصى كفاية، بدون حاجة إلى شراء أيّ شيء سوى البذور. تقدّم الجمعية ورش عمل، وأنشطة، وبرامج منظّمة، بالإضافة إلى عملها مع المزارعين بشكل مباشر وتدريجي بدون وضعهم في مغامرات تجارية غير محسوبة. تضمّ خدمات الجمعية متابعة المزارع من مرحلة صناعة الأسمدة العضوية وإصلاح الأرض، إلى مرحلة إنتاج وتدوير البذور البلدية المؤصّلة والعمل على تعزيزها وتنويعها وحمايتها وإنتاج أصناف جديدة منها (تمتلك الجمعية مكتبة ضخمة من البذور في مركزها)، وصولاً إلى زراعة الأراضي غير المستغلّة، بشكل مباشر أو غير مباشر، وتأمين المواسم على مدار السنة حتى لو كان ذلك في أراضٍ محدودة المساحة، بالإضافة إلى إيجاد تصريف لمحاصيل المزارعين بالتعاون مع جمعيات أخرى. تمتلك المؤسسة مزرعة في سعدنايل، وهي مثال حي عن العمل التعاوني والتضامني الأفقي، وقد ساعدت حتى الآن عدداً كبيراً من المشاريع ضمن المناطق اللبنانية والمخيّمات الفلسطينية والسورية.

4

 من المشاريع المهمّة والقليلة من نوعها "دليل تضامن" الذي يقوم بمسح ورصد للمبادرات والمشاريع الإجتماعية والإقتصادية على كافة الأراضي اللبنانية، لتسهيل التشبيك والتعاون بين كل مشروع يعتمد على العمل التعاوني والتضامني. لا يزال المشروع غير مكتمل، وهو في مرحلة المسح والتخطيط والتواصل مع أصحاب المبادرات سواء كانت إجتماعية، زراعية، صناعية  أو تجارية، من أجل خلق قاعدة للبيانات على موقع خاص. يطرح المشروع أسئلة حول حجم  كل مشروع، والصعوبات التي تواجهه،  وكيف يفترض التدخّل لإيجاد حل، ويقوم بوصل صاحب المشكلة مع من يمتلك الحل. يُعنى "دليل تضامن" أيضاً بتعزيز التآزر خلال الفترات الطارئة لوصل الراغبين بالتطوّع والعمل على الأرض، كما يحصل اليوم منذ انتشار فيروس كورونا.

5

تُعنى بعض المبادرات التعاونية بالتثقيف ونشر المعرفة بين الراغبين في تطوير مهاراتهم. من بين هذه المشاريع "من البذرة إلى البذرة" الذي أسّسه أفراد من دول أوروبية مختلفة يعملون في تعاونيات لإنتاج البذور والمحافظة عليها. تتيح المؤسسة على الإنترنت فيديوهات تقدم معلومات تفصيلية حول إنتاج بذور لأنواع مختلفة من الخضار، كانت قد قدمت سابقاً بلغات أجنبية مختلفة وهي الآن متاحة بالعربية. ساهمت المجموعة في إنتاج كتاب "نحو استقلالية الفلّاحين" الذي يتكوّن من 13 كتيّب وضعت بالتعاون مع " بذورنا جذورنا" التي تولّت توزيعه في مناطق لبنانية مختلفة.

6

أما مجموعة "تراب للتربية البيئية" فلا تنحصر خدماتها بأصحاب المهن الزراعية بل تنشط مع ربّات المنازل والجامعيين والمهندسين وأصحاب الفئات المهمّشة، من أجل رفع مستوى الوعي حول البدائل العملية والصديقة للبيئة التي تحث على الإستدامة والإكتفاء الذاتي. ساهمت الجمعية في إقامة حدائق وبساتين وأبنية نموذجية تعتمد على الثقافة المستدامة، وتقدّم تدريبات للمزارعين حول أنواع الحشرات والأزهار المفيدة لأراضيهم والزراعة بدون استعمال مبيدات، وتصنيع السماد، وتقدّم ورش عمل على صنع  الحرفيات وتربية النحل للمبتدئين وأصحاب الخبرة في منطقة جزين بشكل خاص. تهدف الجمعية إلى مساعدة أبناء الريف على البقاء في مناطقهم وتأمين المأكل والمسكن بالتعاون مع الأفراد والبلديات والجمعيات.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، اقتصاد وصناعة وزراعة



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني