التعذيب والموت في المعتقلات في سورية


2014-03-12    |   

التعذيب والموت في المعتقلات في سورية

كان لانتهاك كرامة السوريين من اعتقالات تعسفية وعمليات التعذيب الممنهجة والقتل في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري دور أساسي في انطلاق الحراك الحاصل ضده في شهر آذار/مارس 2011. وقد انخرط النظام السوري تبعا للحراك في تكثيف التعذيب بحق مواطنين سوريين.

التعذيب: ممارسة ممنهجة
نصّ الدستور السوري لعام 1973 في مادته 28 على أنه "لا يجوز تعذيب أحد جسدياً أو معنوياً أو معاملته معاملة مهينة ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك". وقد أعاد دستور عام 2012 إدراج نصّ مشابه في الفقرة الثانية من المادة 53. وقد نصّت المادة 391 من قانون العقوبات السوري على ما يأتي: "من سام شخصاً ضروباً من الشدة لا يجيزها القانون رغبة منه في الحصول على اقرار عن جريمة أو على معلومات بشأنها عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات. وإذا أفضت أعمال العنف عليه إلى مرض أو جراح كان أدنى العقاب الحبس سنة"[1]. وقد عزز منع التعذيب تشريعياً مصادقة الحكومة السورية على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وكذلك على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي دخلت حيز التنفيذ عام 2004. ويُقصد بالتعذيب بحسب ما أوردته المادة الأولى من هذه الاتفاقية ب "أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث – أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية". ومن أجل تنفيذ بنود هذ الاتفاقية، ألزمت المادة الثانية منها الدول الأطراف اتخاذ جميع التدابير اللازمة من تشريعية أو إدارية أو قضائية لمنع التعذيب وأكدت الفقرتان الثانية والثالثة من نفس المادة بأنه "لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أيا كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديدا بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب. لا يجوز التذرع بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة أو عن سلطة عامة كمبرر للتعذيب". وعلى الرغم من مرور عدّة سنوات على المصادقة على الاتفاقية المذكورة، لا يزال النظام السوري ينتهك التزاماته بشكل دوري، وهو ما أشارت إليه لجنة مناهضة التعذيب في دورتها الرابعة والأربعون أثناء مراجعتها للتقرير الدوري الأول المقدّم من طرف الحكومة السورية عام 2010. وبناءّ على ذلك، فقد وجّهت لجنة مناهضة التعذيب إلى الحكومة السورية مجموعة من التوصيات، أهمها ضرورة تعديل بعض المراسيم التشريعية التي تضفي حصانة لرجال السلطة على جرائمهم المرتكبة أثناء أداء المهنة.

هذا وقد شهدت الآونة الأخيرة، منذ بدء الحراك الشعبي في سوريا تزايداً كبيراً في عمليات التعذيب وغيره من ضروب المعاملة المهينة التي تعرض لها الكثير من المشاركين في التظاهرات السلمية أو الداعين لها، وذلك في انتهاك واضح لنصوص التشريعات السورية وأيضا لبنود اتفاقية مناهضة التعذيب. وقد نُشر العديد من مقاطع الفيديو التي تُبين ممارسة التعذيب والمعاملة المهينة بحق الكثير من المواطنين السوريين، وأكّد العديد من تقارير المنظمات غير الحكومية وأيضا تقارير لجان تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة بأنّ الكثير من الموقوفين على خلفية الأحداث الأخيرة قد تعرضوا لعمليات تعذيب جسيمة في مقرات أجهزة الأمن السورية[2].وقد تطور الأمر إلى أبعد من ذلك لما يمكن وصفه بجريمة حرب وبجريمة ضد الإنسانية بحسب المادة السابعة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. فتُدرج هذه المادة، في فقرتها السادسة، التعذيب بوصفه عنصراً مكوناً لهذه الجريمة "متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم"، وهو ما ينطبق على الوضع الراهن في سوريا.فقد جاء في تقرير لجنة تقصي الحقائق ما يلي: "ترقى سوء المعاملة التي وصفها الضحايا المحتجزون في السجون والمرافق الحكومية إلى المعاملة القاسية والتعذيب. إذ يتعمد المسؤولون الحكوميون التسبب في معاناة شديدة وإلحاق أذي خطير بالجسم والصحة، وذلك باستخدام التعذيب لزرع الخوف، وانتزاع الاعترافات والمعاقبة. ويشكل هذا السلوك انتهاكا للمادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف وجريمة حرب. وتشير الأنماط المنتظمة لسوء المعاملة والتعذيب الموثقة في مراكز الاحتجاز بلا منازع إلى سياسة تعذيب تنتهجها الدولة، ما يشكل جريمة ضد الانسانية"[3].

لقد أسهمت عدم محاسبة الجلادين في محاكمات علنية إلى تعزيز ثقافة الإفلات من العقاب لدى أجهزة الأمن السورية والميليشيات التابعة لها بشكل أدى إلى تزايد أعداد القتلى في معتقلات النظام بصورة غير مسبوقة، وخاصة منهم من يقتل تحت التعذيب.

الموت في المعتقلات
جاء في المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بأنّ "الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمى هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا".وينصّ المبدأ 34 من مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن على الآتي: "إذا توفى شخص محتجز أو مسجون أو اختفى أثناء احتجازه أو سجنه، تقوم سلطة قضائية أو سلطة أخرى بالتحقيق في سبب الوفاة أو الاختفاء، سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب من أحد أفراد أسرة ذلك الشخص أو من أي شخص على معرفة بالقضية.[4]"وفي انتهاك واضح لهذه الالتزامات الدولية، تستمر عمليات التعذيب وحالات الوفاة في معتقلات أجهزة الأمن السورية بدون إجراء التحقيقات القضائية اللازمة ومحاسبة الفاعلين. هذا وتتعدد أسباب الوفاة في المعتقلات السورية ويعود أبرزها إلى عمليات التعذيب الجسيم وما تتركه من آثار على الضحايا.

ومن الجدير بالذكر بأن حوادث الوفاة هذه نتيجة التعذيب لا تقتصر أبداً على مرحلة ما بعد الثورة إنما كانت منتشرة قبلها، الأمر الذي وثقته العديد من المنظمات الحقوقية[5]. هذا وقد دأب النظام السوري منذ بداية الأحداث على استخدام التعذيب والقتل تحت التعذيب كسلاح لكبت الثورة المندلعة ضده وإعادة المواطنين الثائرين إلى حظيرة الطاعة. ولم يشفع لا الانتماء الديني ولا حتى الطائفي لأي شريحة من السوريين من تعرض أتباعها لهذه الفظائع. فقد قضى النحّات السوري وائل قسطون، من أبناء قرية مرمريتا المسيحية، نحبه تحت التعذيب، وذلك بعد عدّة أيام من اعتقاله من طرف الأمن العسكري[6].كما لم يشفع سنّ الضحايا وأيضاً وضعهم القانوني من هكذا انتهاكات جسيمة كما هو حال المحامي محمد برهان صقال الذي اعتقلته قوات النظام من منزله في دمشق بتاريخ 11 تشرين الأول/أكتوبر 2012 قبل أن يقضي تحت التعذيب في فرع فلسطين بتاريخ 16 نيسان/أبريل 2013[7].

وقد تزامن انعقاد مؤتمر جنيف في شهر كانون الثاني/يناير الذي تخلله تمسك النظام السوري ببند مكافحة الإرهاب مع نشر وكالة الأناضول تقريراً وصوراً تشير إلى موت الآلاف في معتقلات النظام السوري. وقد أفادت الوكالة بانّ "جميع الفحوصات التي أجريت على 26 ألفا، من أصل 50 ألف صورة، أنها كانت حقيقية، ولم يجر عليها أي تعديل، وأظهرت الوثائق بعد التدقيق، أن الضحايا في الصور، تعرضوا للتعذيب الممنهج، وهم موثوقو الأيدي والأرجل، مع وجود حالات خنق متعمد، بواسطة أسلاك أو حبال، فيما أظهرت حالات أخرى أن بعض الضحايا فقدوا حياتهم بعد أن تم خنقهم بواسطة "سيور مركبات محززة".[8]هذا وقد هزّت مؤخراً قضية الشاب وسام سارة، ابن الكاتب السوري المعروف فايز سارة، الرأي العام بعد أن تداولت وسائل الإعلام نبأ مقتله تحت التعذيب في أحد سجون النظام. ويقول هذا الأخير تعليقاً على مقتل ابنه: "مقتل وسام هو المأساة الأكبر التي عشناها في حياتنا. يتعذّر وصف الألم الذي يشعر به المرء عند فقدان ولده. لكن مأساتي جزء من مأساة سوريا فأنا واحد من عشرات آلاف الآباء الذين خسروا أبناءهم، وسيستمرون في خسارتهم فيما يُسمَح لهذا النظام بأن يشنّ حرباً ضارية على الشعب السوري لمجرد أنه تجرأ على المطالبة بالحرية"[9].ويقدّر مراقب حقوقي سوري بوفاة أكثر من خمسين ضحية يومياً في سجون النظام لأسباب عديدة منها التعذيب والتجويع ونقص الرعاية الطبية ومنع الأدوية ولاسيما الضرورية منها لمكافحة آثار التعذيب[10]. وجميع هذه الأسباب تندرج ضمن إطار المعاملة غير الانسانية التي تتحمل مسؤوليتها السلطات القائمة على الاحتجاز.
 



[1]اعتبرت لجنة مناهضة التعذيب بأن العقوبة المنصوص عليها لجريمة التعذيب في قانون العقوبات السوري غير كافية وغير متناسبة مع الطابع الجسيم لهذه الأفعال. أنظر لجنة مناهضة التعذيب، الملاحظات الختامية، الدورة الرابعة والأربعون، 26 نيسان/أبريل 14 أيار/مايو 2010، ص 3.
[2]أنظر أدناه.
 [3]تقريرلجنةالتحقيقالدوليةالمستقلّةبشأنالجمهوريةالعربيةالسورية، مجلسحقوقالإنسان، الدورةالثالثةوالعشرون، A/HRC/23/58، 4 حزيران/يونيو 2013، الفقرة 87.
[4]أنظر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة43/173المؤرخ في 9 كانون الأول/ديسمبر 1988.
[5]أنظر تقرير الكرامة، حالة الطوارئ في سورية: مناخ ملائم للتعذيب، تقرير مقدّم للجنة مناهضة التعذيب في إطار دراسة التقرير الأولي لسورية، نيسان/أبريل 2010، ص 23.
[6]الوكالة الفرنسية للأنباء، مقتل النحّات السوري وائل قسطون تحت التعذيب، تموز/يونيو 2012.
[7]أنظر مركز توثيق الانتهاكات في سوريا، متوفر على الرابط:
http://www.vdc-sy.info/index.php/ar/details/detainees/33743

[8]وكالة الأناضول للأنباء، وثائق جرائم الحرب في سوريا، 20 كانون الثاني/يناير 2014، متزفر على الرابط:

http://www.aa.com.tr/ar/s/276931

[9]"الاندبندت"، ترجمة نسرين ناضر، عذّبوا ابني حتى الموت، 26 شباط/فبراير 2014، منشور على موقع جريدة النهار.
[10]محادثة مع حقوقي سوري معروف نتحفظ عن ذكر اسمه لاعتبارات أمنية، 9 كانون الثاني/يناير 2014. 
انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، سوريا



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني